وذهب محسن إلى أخته، وراح خيري يدور بعينه على أبواب الحجرات الأخرى لعله يرى بصيصا ينبئه أن وفية هناك، ولكنه لم يجد. كاد يسأل عنها الخدم، ولكن الخجل منعه أن يفعل. ومنعه أيضا ظهورها من باب الخدم وبيدها إناء مليء بعصير الليمون.
وقفت وفية حين رأته وقد شاعت في وجهها فرحة كبيرة لم تبن عنها إلا في: أهلا.
ولكنها كانت كافية ليجد فيها خيري كل ما يتمنى محب أن يجده عند هواه.
وقام خيري إليها يحمل عنها الإناء وهو يقول: أهلا بك.
واقترب الحبيبان، وأنعم خيري النظر وتقلبت على عينيه طيوف من الفرح والعجب والإشفاق. كانت وفية في شاغل عنها جميعا بفرح لقياه، وحين أفاقا إلى وقفتهما وتنبهت وفية أنه يريد أن يأخذ عنها الإناء قالت: لا، سأدخله إليها وأعود، فإن أمي لا تأمن أن يصنع أحد العصير إلا أنا.
وتنحى خيري عن مكانه ذاهلا لا يزال.
كانت وفية طويلة القامة هيفاء، لا هي بالنحيفة ولا هي بالمليئة، وإنما كما يشتهي الجمال أن تكون. وكان شعرها أسود فاحما كثا غزيرا، ينسكب انسكابا ويتهدل على جبينها صقيلا. وكان خيري يحب منها يدها وهي ترفع خصلات شعرها الجامحة لتعيدها إلى رأسها. وكان وجهها أبيض تشوبه سمرة خمرية، تشع فيه عيناها السوداوان في حور شديد لا يشوب بياضهما إلا زاوية حمراء صغيرة في عينها اليسرى يراها بعضهم عيبا ويراها خيري جمالا أي جمال. وكانت أهدابها العليا ترتفع في إباء حتى لتكاد تبلغ أجفانها، بينما تنسدل أهدابها السفلي طويلة مثل العليا. كانت أهدابها كالزهرة الغضة تفتحت منذ قريب. وكان أنفها دقيقا يتفق وشفتيها الرقيقتين وذقنها الصغير. كان خيري يحب في وفية، وفية، بكل ما فيها، وقد باغته العجب حين رأى بعض شحوب يكاد يحيل سمرتها إلى بياض، ولكنه أزمع في نفسه ألا يفاتحها بما لاحظه. •••
عادت وفية إلى حبيبها، وجلست إليه في المكان نفسه الذي أحست فيه أنه يريد أن يقول فلم يقل، جلست وهي تقول: خير، ماذا أتى بكما؟ - أعجيبة أن نأتي؟ - نعم، الامتحان قرب، وهذه بكالوريا يا خيري. - صحيح، ولكن ...
وأراد خيري أن يسكت، ولكنه لم يجد جوابا من إكمال الحديث فأكمله، وذكر لها ما كان من دموع محسن، وما لبث أن تلألأت على أهداب وفية دمعات تأبى أن تسيل أو تغيض. وحاول أن يعتذر ولكنه رأى دموعه هو أيضا تنحدر على وجنتيه. ولم يكفكف دموعها أو دموعه، فقد أحس بعد أن رأى فايزة أنه لا بد من هذا البكاء.
ومن بين الدموع روت وفية لخيري كيف تزداد حالة أختها سوءا في كل يوم، وحين سألها خيري: والأطباء؟
صفحة غير معروفة