80

قصة موسى والخضر

تصانيف

كفالة الله للعبد المؤمن
من الحكايات الجميلة التي تهز القلب من قصص بني إسرائيل ما حكاه النبي ﵌ لنا لنأخذ منه العبرة على كفالة الله ﷿ للعبد المؤمن، كما روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة ﵁ أن النبي ﵌ قال: (إن رجلًا من بني إسرائيل أراد ألف دينار قرضًا، فذهب لرجل آخر، فقال له: أقرضني ألف دينار إلى أجل وليكن في آخر الشهر أعطيك الألف دينار.
قال: ائتني بشهيد.
قال: (كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) .
قال: ائتني بكفيل.
قال: كفى بالله كفيلًا.
قال: فذاك -أي: أنا لا أريد إلا هذا- وأعطاه الألف دينار لأجل، فأخذ الرجل المال وركب البحر، فعمل بالألف دينار، فعندما جاء موعد الوفاء وكان بين الدائن والمدين بحر، وكان البحر هائجًا، وكانت الرياح عاصفة، والمراكب التي تنقل الناس توقفت عن العمل.
فوقف الرجل بالألف دينار على شاطئ البحر ينظر مركبًا فلم يجد، وكان الرجل الدائن على الشاطئ الآخر ينتظر حضور الرجل بالألف دينار على حسب الموعد المعلوم.
فلما استيئس الرجل، أخذ خشبة فنقرها -عمل فجوة فيها- ووضع الألف دينار، ووضع كتابًا مع الألف دينار أن هذا المال إلى فلان.
ثم أمسك الخشبة بعد ما سدها، وقال: يا رب! أنا جعلتك كفيلًا وجعلتك وكيلًا وضامنًا فأوصل المال إلى صاحبه، وقذف بالخشبة في البحر.
وفي بعض الروايات أن الخشبة كانت تمشي ضد الموج -مع أن الموج في ذاك اليوم ليس موجًا عاديًا بل الموجة الواحدة قد ترتفع إلى أمتار، وهذه الخشبة كصندوق موسى، لما رمت أم موسى ابنها موسى في التابوت، لكن الله هو الذي يحركه؛ لأنه هو الضامن وهو الكفيل، وفي هذا نكتة أذكرها في آخر القصة-.
وقف الرجل الدائن على البحر فلم يأتِ مركب ولا رجل ولا شيء، فلما أراد أن ينصرف إذا بالخشبة تلعب أمامه في البحر، -تذهب وتجيء- ولا تتحرك ولا ترتد مع الموج، إنما انحصرت في متر، فقال الرجل في نفسه: آخذ هذه أستدفئ بها من البرد.
وأخذ الخشبة يستدفئ بها، ورجع مهمومًا، فأتى بالقدوم وكسرها فإذا هو بصرة، فقرأ الكتاب، فعلم أن الرجل حال بينه وبينه الظروف الجوية.
وفي نفس اليوم مساءً ذهب الرجل المدين، فأخذ ألف دينار أخرى وركب مركبًا، وذهب إلى صاحب المال، فقال: والله إنه لم يمنعني أن آتيك بمالك إلا أن البحر كما ترى، خذ مالك جزاك الله خيرًا.
فقال له الرجل: هل أرسلت لي مالًا؟ قال: سبحان الله! أقول لك لم أجد مركبًا.
قال: جزاك الله خيرًا، فإن الله قد أدى عنك، فارجع راشدًا، فرجع بالألف دينار راشدًا.
فالله كفيل والله وكيل، وهذه القصة لو أنها لم ترد في صحيح البخاري الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله ﷿ ولا يوجد فيه إلا صحيح، لعددنا هذا ضربًا من الأساطير والحكايات الخيالية.
فهذه القصة حكاها النبي ﵊ لهذه الأمة ليستفيدوا منها، فهذا الرجل أخذ ألف دينار لأجل، فقال: ائتني بشهيد أو كفيل، قال: كفى بالله شهيدًا، كفى بالله وكيلًا.

8 / 8