النظم البلاغي بين النظرية والتطبيق
الناشر
دار الطباعة المحمدية القاهرة
رقم الإصدار
الأولى ١٤٠٣ هـ
سنة النشر
١٩٨٣ م
مكان النشر
مصر
تصانيف
وقد كان الصحابة - رضوان الله عليهم - يتعجبون لفصاحة النبي ﷺ ويرون أنه أفصح العرب، فابن الأعرابي يحدثنا بأن رسول الله كان جالسًا مع الصحابة، فسألوه عن سحابة فأجابهم، فقالوا: يا رسول الله ما أفصحك ما رأينا الذي هو أفصح منك! فقال. وما يمنعني؟ وإنما أنزل القرآن بلساني، بلسان عربي مبين (١).
وقد سئل النبي ﷺ: فيم الجمال؟ فقال: في اللسان؛ يريد: البيان (٢).
ومما يدل على أن النبي ﷺ كان يعني أن أشد العناية بتخير لفظه، وانتقاء كلماته المعبرة: ما يروى من أن النبي ﷺ قال: لا يقولن أحدكم خبثت نفسي، ولكن ليقل: لقست نفسي كراهة أن يضيف المسلم الخبث إلى نفسه (٣).
والخلفاء الراشدون - رضوان الله عليهم - كانوا خطباء مفوهين، وكانوا يتخيرون ألفاظهم في أحاديثهم، لتكون معبرة أصدق تعبير عما في نفوسهم، مهتدين في ذلك بهدى القرآن الكريم وحديث رسوله الكريم ومما يدل على إرهاف حسهم، ودقة شعورهم: هذه الرواية الشهيرة عن أبى بكر ﵁ وهي: أنه عرض لرجل معه ثوب فقال له: أنبيع الثوب؟ فأجابه: لا، عافاك الله، فتأذى أبو بكر مما يوهمه ظاهر اللفظ، إذ قد يظن أن النفي موجه إلى الدعاء، عليه بدلًا من الدعاء له فقال له: "لقد علمتم لو كنتم تعلمون، قل: لا وعافاك الله (٤).
_________
(١) مجالس ثعلب ص ٤٥٤.
(٢) الحيوان جـ ١ ص ٣٣٥.
(٣) الحيوان (طبعة الحلبي) جـ ١ ص ٣٣٥.
(٤) البيان والتبيين جـ ١ ص ٢٦١.
1 / 25