السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني
الناشر
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى ١٤٢٤هـ
سنة النشر
٢٠٠٤م
تصانيف
رابعًا: الوصول إلى المدينة
سار ركب الهجرة تحفه عناية الله تعالى حتى وصل إلى قباء في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من العام الأول للهجرة.
وكان أهل المدينة منذ أن عملوا بخروج النبي ﷺ من مكة يغدون كل غداة، ينتظرونه عند الحرة، حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يومًا بعدما طال انتظارهم إلى بيوتهم، وإذا بيهودي يقف على أحد المرتفعات حول المدينة ليرى أمرًا بعينه، فإذا به يبصر رسول الله ﷺ وأصحابه في ثياب بيض، فلم يملك اليهودي نفسه، فأخذ يصيح بأعلى صوته: يا معشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرونه١.
يقول ابن القيم: وسمعت الرجة والتكبير في ديار بني عمرو بن عوف، وكبر المسلمون فرحًا بقدوم رسول الله ﷺ، وخرجوا للقائه ﷺ والترحيب به، فأحاطوا به يملأهم الحب، وتغشاهم السكينة، والوحي ينزل عليه بقوله تعالى: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ ٢.
يقول عروة بن الزبير: فتلقوا رسول الله ﷺ، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، فقام أبو بكر للناس، وجلس رسول الله ﷺ، صامتا، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله ﷺ يحيي أبا بكر ظنًا منهم أنه رسول الله ﷺ، حتى أصابت الشمس رسول الله ﷺ، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله ﷺ عند ذلك٣.
وكانت المدينة كلها قد زحفت لاستقبال ركب الهجرة الميمون، وكان يومًا مشهودًا لم تشهد المدينة مثله في تاريخها.
ونزل رسول الله ﷺ بقباء على كلثوم بن الهدم٤ ومكث علي بن أبي طالب
_________
١ صحيح البخاري كتاب ج١ ص٢١٥ ط الوقاف.
٢ سورة التحريم: ٤.
٣ سيرة النبي ج١ ص٤٩٤.
٤ وقيل نزل على سعد بن خيثمة والجمهور على ما ذكرته.
1 / 83