السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني
الناشر
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى ١٤٢٤هـ
سنة النشر
٢٠٠٤م
تصانيف
بمكة ثلاثًا، حتى أدى عن رسول الله ﷺ الودائع التي كانت عنده للناس، ثم هاجر ماشيًا على قدميه حتى لحقهما بقباء ونزل على كلثوم بن الهدم مع رسول الله أيضًا.
وأقام رسول الله ﷺ بقباء أربعة أيام: الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وأسس مسجد قباء وصلى فيه، وكان موضع المسجد مربدًا لكلثوم بن الهدم، وقيل بل هو مكان كان يملكه بنو عمرو بن عوف وهو الأولى، وقد صلى الرسول ﷺ الجمعة فيهم، وعلى كل فإن المكان اختيار الله تعالى١.
وهو أول مسجد أسس على التقوى بعد النبوة، فلما كان اليوم الخامس٢ -يوم الجمعة- ركب ﷺ ناقته وأبو بكر ردفه، وأرسل إلى أخواله بني النجار فجاءوا متقلدين سيوفهم وسار معهم نحو المدينة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فجمع بهم في المسجد الذي في بطن الوادي، وكانوا مائة رجل.
وهذه أول جمعة يقيمها رسول الله ﷺ في الإسلام بعد هجرته في ديار بني سالم بن عوف، وألقى فيهم رسول الله ﷺ خطبة الجمعة، وعرفهم بالله، وحثهم على التقوى، وذكرهم بنعيم الله في الآخرة.
يورد ابن كثير هذه الخطبة بنصها، وفيها يقول ﷺ: "الحمد لله أحمده، وأستعينه، وأستغفره، وأستهديه، وأومن به، ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق والنور والموعظة، على فترة من الرسل، وقلة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة، وقرب من الأجل، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضل ضلالا بعيدًا.
أوصيكم بتقوى الله فإنه خير ما أوصى به المسلم أن يحضه على الآخرة، وأن يأمره بتقوى الله، فاحذروا ما حذركم الله من نفسه، ولا أفضل من ذلك نصيحة،
_________
١ سبل الهدى والرشاد ج٣ ص٣٨١.
٢ اختلفت الروايات في المدة التي مكثها الرسول ﷺ في قباء والمكثرون يرونها أربعة وعشرين يومًا والمقلون يرونها أربعة أيام، وهو الأولى.
1 / 84