السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني
الناشر
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى ١٤٢٤هـ
سنة النشر
٢٠٠٤م
تصانيف
إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم.
فقالوا: أموالنا بيننا قطائع.
فقال ﷺ: "أو غير ذلك"؟
قالوا: وما ذاك يا رسول الله.
قال ﷺ: "هم قوم لا يعرفون العمل، فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر".
قالوا: نعم١.
وعن أنس بن مالك ﵁ قال: دعا النبي ﷺ الأنصار إلى أن يقطع لهم البحرين فقالوا: لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها.
قال ﷺ: "أما لا فاصبروا حتى تلقوني، فإنه سيصيبكم بعدي أثرة" ٢.
وعن أنس بن مالك ﵁ قال: قال المهاجرون: يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أحسن بذلا من كثير، لقد كفونا المئونة، وأشركونا في المهنأ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله.
قال: "لا ما أثنيتم عليهم، ودعوتهم الله لهم" ٣.
وقد سجلت السنة موقف أنصاري بلغ في الإيثار مبلغًا يستجلب تمام رضى الله ﷾، لقد بات الرجل طاويًا وزوجته كذلك، وفوق ذلك نوما صبيانهما دون عشاء، وآثرا ضيف رسول الله ﷺ من المهاجرين بما كان عندهم من طعام.
والعظيم في الأمر أن الأنصاري يطلب هذا وتوافقه زوجته، والأم على أطفالها جد حانية، ولا تؤثر بطعامها عليهم أحدًا إلا أن صنيع الإيمان في قلوب الأنصار غير الطبائع إلى أسمى ما يتصوره عقل يفهم أو يخطر ببال مفكر أريب ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ ٤.
_________
١ البداية والنهاية ج٣ ص٢٢٨.
٢ صحيح البخاري ك المناقب ب مناقب الأنصار ج٦ ص١٥٢.
٣ البداية والنهاية ج٣ ص٢٢٨.
٤ الحشر: ٩.
1 / 113