الخبيثة أم الخبائث
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة الخامسة. عشر العدد الثامن والخمسون. ربيع الأخر-جمادى الأولى
سنة النشر
جمادى الأخرة ١٤٠٣هـ
تصانيف
ونقول لهؤلاء: إن تحريم الخمر في القران تحريم قاطع لا شك فيه ولا يصح الجدال حوله بل إن قول الله سبحانه ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾ أقوى وأبلغ واشد تحريمًا مما لو قال ﷾: حرمت عليكم الخمر، بل إنه حرم حملها والجلوس على مائدة يتناول فيها الخمر. والجلوس مع من يتناولها. والاقتراب منها بأي شكل كان.
يلاحظ مثلًا ومنذ بدء الخليقة أن الحق سبحانه حين قال لآدم كل من كل شيء في الجنة ولا تأكل من هذه الشجرة.
قال لآدم وحواء وهو يأمرهم بالامتناع عن الأكل من الشجرة المحرمة ﴿وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ لم يقل لهما: لا تأكلان من هذه الشجرة وإنما قال لا تقربا هذه الشجرة.
ما الفرق بين أن يقول ﷾ لا تأكل من هذه الشجرة. وأن يقول لا تقربا هذه الشجرة؟
فكأن محارم الله يجب أن يبتعد عنها وعن نطاقها. لا تقترب أبدًا لأن القرب منها قد يغري الإنسان بها قد تفتح باب الشيطان في الإنسان فيقع في المعصية.
إذن لا تقربا هذه الشجرة أبلغ وأشد في الإحتياط من لا تأكلا منها، لأنه، إذا كان الله ﷾ قد قال: لا تأكلا، لكان من الممكن أن يذهب الإنسان إلى الشجرة ويجلس بجوارها ويتغزل في محاسنها وينظر إلى ثمارها بحسرة ولكنه لا يأكل منها وحينئذ لا يكون مخالفًا لأمر الله، ولكن الله ﷾ أراد أن يجنب البشر ذلك الذي يقربهم من المعصية وتفتح في نفوسهم باب الشيطان.
ومن هنا حين قال لآدم وحواء لا تقربا هذه الشجرة كان يعني لا تقربا منها ابدأ - لأن القرب منها بداية المعصية وفتح الباب أمام هوى النفس وإغراء الشيطان، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
ولذلك يلاحظ في القران أن كل شيء محرم يقول الله ﷾ ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا﴾ لكن في المحللات يقول: ﴿فَلا تَعْتَدُوهَا﴾ تتجاوزوها.
ونقول لمن يردد أن الخمر لم يرد فيها نص تحريمي كما حرم الله الميتة والدم ولحم الخنزير نقول لهم: إنكم لم تفهموا مدلولات اللغة ولا مدلولات القران الكريم.
فالاجتناب أقوى من التحريم بدليل أن الاجتناب جاء في قمة العقيدة قال الله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ﴾ فكلمة اجتناب هنا في ماذا؟.
1 / 188