الحملة الأخيرة على القسطنطينية في العصر الأموي
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة السادسة والثلاثون العدد (١١٢) ١٤٢٤هـ/٢٠٠٤م
تصانيف
وفي رأيي أن هذا القول عن مسلمة غير دقيق، وقد يكون فيه شيء من التحامل عليه؛ فهو وإن كان لا يعفى من المسؤولية، إلا أنه لا يتحمل نتيجة كل ما حدث، فهو قَدَر نافذ بمسلمة أو بدونه؛ حيث لم يحن بعد زمن الفتح، ومسلمة لم يكن متفردًا بالرأي دون سواه، فقد رأينا مثالًا على مشاورته لأصحابه، لكنه كان يفضل رأي الأغلبية، وإصراره على عدم قبول الفداء من أهل القسطنطينية لمّا عرضوه عليه، كان تنفيذًا لأمر أخيه سليمان الذي وصاه بأن يقيم عليها، حتى يفتحها أو يأتيه أمره، ومن قرأ عن مآثره الحربية وانتصاراته المتوالية على جيوش الروم في أراضيهم، وفي بلاد الخزر استيقن أنه لم يكن وراءها إنسان سهل القياد، عاجز الرأي. نقل ابن عبد ربه عن الأصمعي: “لم يكن لعبد الملك ابنٌ أسدَّ رأيًا ولا أذكى عقلًا ولا أشجع قلبًا ولا أسمح نفسًا ولا أسخى كفًا من مسلمة”١. وقال الجاحظ: “وكان مسلمة شجاعًا خطيبًا بارع اللسان جوادًا، ولم يكن في ولد عبد الملك مثله ومثل هشام بعده”٢، وقال ابن كثير: بعد أن ذكر انتصاراته في حروبه ونكايته في عدوه من الروم وغيرهم: “كانت لمسلمة مواقف مشهورة ومساعي مشكورة، وغزوات متتالية منثورة، وقد افتتح حصونًا وقلاعًا، وأحيا بعزمه قصورًا وبقاعًا، وكان في زمانه في الغزوات نظير خالد بن الوليد في أيامه في كثرة مغازيه، وكثرة فتوحه، وقوة عزمه، وشدة بأسه، وجودة تصرفه في نقضه وإبرامه، هذا مع الكرم والفصاحة”٣، فهل مَنْ هذه صفاته يخدع بسهولة مرات عديدة، ويكون الإخفاق بسببه وحده؟!، ومع ذلك كله فهو بشر يصيب ويخطئ، والمعصوم من
_________
١ العقد الفريد ٦/١٣١.
٢ البيان والتبيين ٣/١٨٩.
٣ البداية والنهاية ٩/٣٢٨-٣٢٩.
1 / 472