النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح
الناشر
دار سحنون للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
مكان النشر
دار السلام للطباعة والنشر
تصانيف
ولا يكون بكلتيهما، فكان السبب الموجب لاستحقاق السلب مشكوكًا فيه، فتعذر إعماله كما في الشك في سبب الميراث، فيمن ماتوا بهدم أو غرق، فتساقط السببان معًا. وإنما لم يقسم السلب بينهما؛ إذ ليس هذا تكافؤ البينتين عند التحقيق؛ ولأنه لم يكن من المعهود في الحرب قسمة سلب القتيل بين اثنين؛ ولأن قطع السليب غير متساوية القيمة فيتعذر قسمها. فجعله رسول الله ﷺ لأحدهما بمجرد اجتهاده. وهو ما تأوله مالك ﵀؛ ولذلك جزم بأن النفل من الخمس وإنما يعطي باجتهاده أمير الجيش. وجعل السلب من النفل وهو التأويل الصحيح، وما عداه من الوجوه التي فرضوها تعسفات، فليت العلماء اقتصروا على الجادة.
* * *
باب ما كان النبي ﷺ يعطي المؤلفة قلوبهم
وقع في حديث أنس ﵁ قوله [٤: ١١٥، ٢]:
(فقال رَسُولُ اللهِ ﷺ للأنصار: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْا اللهَ وَرَسُولَهُ ﷺ عَلَى الْحَوْضِ». قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ نَصْبِرْ).
لما رأى رسول الله ﷺ رضى الأنصار على أن أعطى رجالًا من قريش من فيء هوزان بعد أن عتب فريق من حدثاء الأسنان من الأنصار، ثم فاؤوا إلى الرشد والأدب مع الله ورسوله والرضى بما فعله الرسول ﷺ، وذلك من صدق إيمانهم وإخلاص نصرتهم لله ورسوله ودينه دون طمع في نفع دنيوي يلحقهم من ذلك، أراد أن يوصيهم بالدوام على مثل هذا الصبر فيما يقضيه الله ورسوله في أثرة سيلقونها بعد وفاة الرسول ﷺ، وتشبه هذه الأثرة التي لقوها في حياته.
والأظهر أن رسول الله أشار إلى الخلافة من بعده، فالأثرة المذكورة في كلامه هي أثرة حقه، وليست من الباطل؛ لأن كون الخلافة في قريش أمر دلت عليه أدلة شرعية هي التي راعاها أبو بكر وعمر يوم السقيفة، فالصبر المأمور به صبرٌ له دخل في الوفاء للدين والإخلاص لله ولرسوله.
والدليل على ذلك أن رسول الله ﷺ سماها «أثرة»، ولم يذكر معها ما ينكر عليها ولا ما يصمها بأنها ظلم أو جور، كما دل عليه ذكرها بمناسبة نظيرتها هذه، فالصبر المأمور به واجب، وقد رجوا بذلك يوم السقيفة ﵃.
1 / 98