النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح
الناشر
دار سحنون للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
مكان النشر
دار السلام للطباعة والنشر
تصانيف
كتاب الهبة
باب
فيه قول [٣: ٢١٥، ١٨]:
«ابن أبي مليكة أن بني صهيب مولى ابن جدعن ادعوا بيتين وحجرة أن رسول الله ﷺ أعطى ذلك صهيبًا، فقال مروان: من يشهد لكما على ذلك؟ قالوا: ابن عمر، فدعاه، فشهد: لأعطى رسول الله ﷺ صهيبًا بيتين وحجرة فقضى مروان بشهادته».
أورد عليه إشكال قضاء مروان بن الحكم بشهادة عدل واحدة، فقيل: أراد الراوي مع يمين المدعين، وهو مردود بأن ذلك لم يذكر، ومثله لا يهمل؛ إلا أن يراد أن مثل ذلك معروف من تصرفات الحكام فلا يحتاج إلى ذكره، وقيل: لعل مروان كان يرى القضاء بشهادة عدل واحد مبرز في العدالة مثل شهادة خزيمة، وقد نقل عن شريح القاضي أنه كان يرى مثل هذا.
وعندي: أن هذا يحتمل وجهين، أحدهما: وهو الأظهر: أن البيتين والحجرة كانت غير مملوكة لأحد؛ لأنها مما أحياه رسول الله ﷺ من موات الأرض في المدينة حين بني المسجد في بعض مقابر المشركين، وفي خرب غير مملوكة، وفي خرب لبعض أهل المدينة جعلوها لرسول الله ﷺ، فقد ورد أن البيتين والحجرة كانت لأم سلمة، فهي إذن من توابع حجر النبي ﷺ فيكون إعطاء رسول الله ﷺ صهيبًا إياها من باب الإقطاع، وهو تصرف بوجه الإمامة لا بوجه نقل الأملاك، فيكون طلب مروان الشهادة على ذلك من باب طلب ما يثبت أن رسول الله ﷺ تصرف هذا التصرف لينفذه مروان لكونه أمير المدينة، فإن شأن الأمراء إنفاذ أعمال المتصرفين قبلهم من الأئمة والأمراء، فرجع ذلك إلى الخبر لا إلى الشهادة، والخبر يُكتفَي فيه بالواحد مثل مزكي السر، ومقوم العيب، وقائس الجرح، فإخبار ابن عمر قام عند مروان مقام ما يجده الأمير والقاضي في ديوان سلفه من خطاب بثبوت شيء أو إنفاذ أمر.
وقد أعطى أبو بكر جابر بن عبد الله ما وعده رسول الله ﷺ من مال البحرين بمجرد قوله له: (إن رسول الله ﷺ قال: «لو قد جاء مال البحرين أعطيتك هكذا
1 / 74