النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح
الناشر
دار سحنون للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
مكان النشر
دار السلام للطباعة والنشر
تصانيف
فقال: إني والله ما سألتها لألبسها إنما سألته لتكون كفني: قال سهل: فكانت كفنه).
قالوا: إن السائل هو عبد الرحمن بن عوف، وقد كان عبد الرحمن معروفًا بالسعة في المال، فما كان سؤاله البردة إلا لقصد التبرك بها. وإنما اختص تلك البردة من الثياب النبوية؛ لأنه كان مضمرًا أن يسأل رسول الله ﷺ ثوبًا من ثيابه، وكان يخشى أن يرزأ رسول الله ﷺ بعض ثيابه المحتاج إليها وقد علم أنه لا يرد سائلً سأله.
فلما حضر إهداءَ المرأة إليه هذه البردة من غير ترقب ولا وصاية ولا شراء مما يدل على الاحتياج إليها علم أن رسول الله ﷺ غير محتاج إليها، فرأى أن الفرصة أمكنته فيما أراد، فسأل تلك البُردة لقصده النبيل ﵁.
* * *
باب قول النبي ﷺ -:
«يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه» [٢: ١٠٠، ٤]
أثبت البخاري صدور هذه المقالة عن النبي ﷺ إذا رواه عنه عمر بن الخطاب والمغيرة بن شعبة.
وروم الجمع بين هذا وبين قول عائشة [٢، ١٠١: ١٤]: (ما قال رسول الله ﷺ ذلك ولكنه قال: «إن الله ليزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله») وأنه قال ذلك إذ مرَّ على يهودية يبكي عليها أهلها، ولم ير البخاري ترجيح رواية عائشة ولكنه سلك طريق الجمع بين ما رواه عمر وابنه والمغيرة وما قالته عائشة بأن مورد ما رواه الثلاثة فيمن كان ذلك من سنته، وهو جمع مشكل؛ لأنه إن أراد بكونه من سنته أنه هو الذي سنة للناس، كما ينبئ عن ذلك ذكره حديث [٩: ٣، ١٥]: «ما من نفس تقتل ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها» فهو غير مناسب لعموم الخبرين اللذين رواهما عمر والمغيرة؛ وإن أراد إذا كان ذلك من سنة قوم الميت فهو أشد إشكالًا؛ لأنه لا يؤاخذ أحد بغير عمله وإن كان من سنة قومه إذا لم يعمله هو، وفي الحديث «ثم يحشرون على نياتهم»، فلا محيص من وجوب حمل الحديثين على ما تأولته عائشة وجعلت غيرها مغترًا لظاهر اللفظ مع عدم الإحاطة بالسبب.
* * *
1 / 32