النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح
الناشر
دار سحنون للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
مكان النشر
دار السلام للطباعة والنشر
تصانيف
قوله في حديث عمرة عن عائشة ﵃[١: ١٨٦، ٣]:
(كان رسول الله ﷺ يصلي من الليل في حجرته وجدار الحجرة قصير فرأي الناس شخص النبي ﷺ فقام أناس يصلون بصلاته فأصبحوا فتحدثوا بذلك، فقام الليل الثانية فقام معه أناس يصلون بصلاته، صنعوا ذلك ليلتين أو ثلاثًا حتى إذا كان بعد ذلك جلس رسول الله ﷺ فلم يخرج، فلما أصبح ذكر ذلك الناس، فقال: «إني خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل»).
في قوله ﷺ «إني خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل» إشكال شائع. وهو أنه كيف يكون فرض العبادة تبعًا للمواظبة عليها. وقد أجاب العلماء عنه وعن نظائره بأجوبة غير مطمئنة، والذي أرى في دفعه: أن الله قد ضمن لرسوله ﷺ أن لا يحمل أمته ما فيه عسر بصريح قوله: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥].
فرسول الله آمن من أن يفرض الله على الأمة عملًا فيه عسر. فالمعنى: أنهم لو واظبوا على قيام الليل لخفَّ عليهم بالتعود فانتفى العسر عنهم فتزول الأمارة التي يطمئن لها الرسول ﷺ في انتفاء الإيجاب، وهي عسر العبادة فخشي أن يفرضها الله عليهم ثم لا يستطيعون استدامتها، أو لا يستطيعها من يأتي بعدهم.
ورواية عمرة عن عائشة قولها: «كان رسول الله ﷺ يصلي من الليل في حجرته وجدار الحجرة قصير».
قولها: «وجدار الحجرة قصير» يعين أن المراد بالحجرة المذكورة في هذا الحديث هي الموضع الذي احتجره رسول الله ﷺ بالمسجد لصلاة الليل لا حجرة بيته، كما يفسره حديث زيد بن ثابت الموالي لهذا [١: ١٨٦، ١٣]: «أن رسول الله ﷺ اتخذ حجرة من حصير في رمضان فصلى فيها ليالي ....» إلخ.
وفي حديث أبي سلمة عن عائشة [١: ١٨٦، ١١]: «أن النبي ﷺ كان له حصير يبسطه بالنهار ويحتجزه بالليل» فتعين أن قوله في حديث عمرة: «في حجرته» الموهم أنها حجرة بيته يفسره ما في حديثي أبي سلمة وزيد بن ثابت. والكلام الذي خاطب به رسول الله ﷺ الناس الذين صلوا بصلاته متماثل في الأحاديث الثلاثة. وذلك يؤيد أن القصة واحدة.
* * *
1 / 21