223

الجامع الصحيح للسيرة النبوية

الناشر

مكتبة ابن كثير

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م

مكان النشر

الكويت

تصانيف

وفصاحة في لسان النبي ﵊، ولكنه جاء في الليل الشديد البرد، على رغم هذا كله، وصعد فوق أعلى مكان في المدينة، وفي أبرد الأوقات في جوف الليل ليقول: أشهد أن محمدًا رسول الله، وأنا معلمّك أعلمك وأربّيك، وأطلب منك وأنت في الدار أن تعدّ لي شيئًا من الماء لوضوئي فتؤخرني نصف ساعة، ثم ساعة بعدها! هذا هو الفرق بين مقام الأنبياء ومقام العلماء) (١)! وهنا نبصر جانبًا كبيرًا عمليًا من عمق التأثير في الأجيال المتعاقبة من المسلمين، إحساسًا عميقًا بمكانة الرسول ﷺ، وجلال مقامه! وحسبنا أن نبصر معالم هذا الحبّ في أعمق الأعماق، وفي مشاعر المسلمين، وفي الإحساس العميق الذي يدفع الصادقين دفعًا إلى أن تختلج المشاعر، وتتحرك الخواطر، ونبصر روحًا نورانيّة، مما يضفي على الحياة بهجتها وسعادتها! بيد أنا نبصر عند الكثيرين صورًا غير متحرّكة، وغير مجلوّة، وغير فاعلة .. نبصر حبًّا سلبيًّا لا صدى له في واقع الحياة والسلوك! ونبصر فصامًا نكدًا! ولا شك أن هذا الواقع قد حال بيننا كمجتمع إسلامي وبين أن نسعد بمثل ما سعد به سلفنا الصالح الذي لم تكن علاقته بالرسول ﷺ منعزلة في وجدانه عن واقع حياته! وكيف لا! وصورة العلاقة الإيجابيّة المتحرّكة الحيّة، في القول والعمل، والعبادة والسلوك، شاخصة في وجدان المسلمين، حيّة في نفوسهم، فقد

(١) مكتبة الإمام: ٢: ٣٣ الأوقاف - مصر.

1 / 228