الجامع الصحيح للسيرة النبوية
الناشر
مكتبة ابن كثير
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
مكان النشر
الكويت
تصانيف
من أجل هذا نضرع إلى الله -جلّ شأنه- أن يشملنا بغفرانه، إن تسامينا محاولين الوصول إلى الحديث عن حياة الرسول ﷺ، فالمعذرة قائمة، والقصور ثابت، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها!
وهنا نحسّ النور يغمر حياتنا، ونشعر بالضوء المنير يكفّ أبصارنا، فأنّى ندرك، وأنّى نرى، وقد صرنا كذي رمد غمره ضوء الشمس، أو ما هو أعلى، فأصابته الحيرة، ولا هادي له يخرجه منها، إلا أن يكون الهُدى من الله، والعون والرشاد، والتوفيق والسداد!
ومن ثم نسأل الله ﷿ أن يهدينا لتصوير حياة الرسول ﷺ، أو لتقريبها ما دام التصوير فوق الطاقة، والقاصر معذور، والله ﵎ عفوّ غفور!
ومعلوم أن وجوه عظمة الرسول ﷺ قد تعدّدت، بحيث يعجز المحصي عن الإحصاء، والمستقري عن الاستقراء!
وإذا نفدت الطاقة كان الإقرار بالعجز، وبأن الله ﷿ قد صانه وحفظه، وتولاه بعنايته، ورعاه برعايته، حتى كان وحيدًا بين الغلمان بما كلأه الله به وحماه، وصبيًّا فريدًا بين الصبيان، والشابّ الأمين البعيد عن رجس الجاهليّة بين الشباب، فكل شيء في حياته الأولى كان من الخوارق التي علت عن الأسباب والمسبّبات، فلم تكن أثر تربية موجهة، ولا أثر بيئة حاملة، ولا أثر شرف رفيع وإن كان محقّقًا؛ ولكنه كان صنع الله، تمثّلت فيه المعجزة بشخصه وكونه ووجوده، ففيه البشريّة، وفيه المعجزة الإلهيّة!
وصدق الله العظيم: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٤]!
1 / 17