ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة

عبد الغفار مكاوي ت. 1434 هجري
132

ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة

تصانيف

35

وموضوع هذا النص العسير هو أن العدم أيضا لا يمكن الوصول إليه، لأن الفكر لا يمكنه الإفلات من الصدف (في اللغة وفي الزمن)؛ ولذلك يصبح الإنسان هو «أمير الصخور المر».

ونذكر بعد هذا قصيدته «أغنية لاسنت»

36

التي تعد تعبيرا عن فن الشعر لديه، وهي أشبه بقصيدة فيرلين المشهورة «فن الشعر»

37

وإن كانت تختلف عنها من حيث الغموض الشديد الذي حير المفسرين والشراح. والواقع أن القصيدة من أكمل السوناتات التي كتبها مالارميه، وهي عمل فني خالص، كتب من أجل الفن وحده، وينبغي أن نستمتع بسماعه أو برؤيته مطبوعا في كتاب فحسب؛ إذ إنه - كما يقول هنري شار بنتيير (ص1474) - لا يتجه إلى القلب ولا إلى العقل، ولا ينفع فيه التحليل النحوي أو المنطقي. وموضوع القصيدة يدور حول عجز اللغة وقصورها عن الوصول إلى هدفها المثالي، أو إلى الجمال المحض الذي تذكره في آخر مقطوعاتها. والمقطوعات العشر الأولى تحتوي على نداء للشعر الذي يتجه إلى غاية سامية - أسمى من أن يبلغها الإنسان أو اللغة - وتدور حول إمكانية خلقه. ولكن الشاعر - الذي يخاطب شقيقته فيما يشبه الحلم - يرى أرض الشعر أو جزيرة الجمال المحض من بعيد ولا يستطيع أن يملك رؤاها، فأرضها ذات المائة زنبقة ليس لها اسم يمكن أن يهتف به «ذهب البوق الصيفي»، وأزهار الزنبق فيها تختلف عن كل الأزهار، وبراعمها تتفتح دون أن نستطيع الحديث عنها، وجزيرة الشعر تبتسم للشاعر الذي يريد أن يدنو منها، ولكنها لا تمكنه أبدا من دخولها:

لكن هذه الأخت العاقلة الرقيقة

لم تلق بنظرتها إلى أبعد

من ابتسامة، وأنا كما لو كنت أسمعها،

صفحة غير معروفة