وكان ولتر سكوت يرى في حياتها استقلالا عن حياتنا، وإنك لتجده في شعره يلحقها بغيرها من الأشياء ذات الحياة، وقد سلك البارودي في هذا الباب مسلكا حسنا حيث قال:
وإن مررت على الروحاء فامر لها
أخلاف سارية هتانة الديم
من الغزار اللواتي في حوالبها
ري النواهل من زرع ومن نعم
ألا ترى أنه جمع بين الزرع والنعم جاعلا شرب الحيوان مثل شرب النبات، وفي ذلك من شرف الخيال ما يستعصي على أولئك الشعراء الذين يتضاءلون أمام العظماء تضاؤل أعقاب لفائف التبغ في عين الشمس.
رسول الأمل
يقول الناس: إن رغبة المرء في الحياة تعظم إذا عظم النعيم وتقل إذا تضاءل، زاعمين أن النعيم هو الذي يربط المرء بالحياة ويرغبه في البقاء، ولكن هذا وهم، فإنه يربط المرء بالحياة روابط تختلف حسب اختلاف أزمان الحياة وأحوالها. ففي الصبا يربط المرء بالحياة روابط الأماني، فإذا تملكه الشقاء كان غير مباليه طموحا إلى ما يستقبل وانتظارا لمؤاتاة النعيم، وفي الرجولة يربط المرء بالحياة روابط السعي والعمل وانتظار نتيجة مساعيه والتذاذها، وإن المساعي لتكاد تشغل الرجل عن لذات الحياة، وهي التي تلتمس في الأهل والأصحاب والشعر والجمال والغناء. فيكون حاله مثل حال الرجل الذي يسرع في طريق ينبت على جانبيه الغرس الكريم والثمر الطيب والزهر البهي، فإن سائقا من الأمل يعجله عن أن ينعم بها رغبة أن يصل إلى ما هو خير منها. حتى إذا بلغ من الطريق غايتها لم ير غير أرض خلاء، ولو أحسن الإنسان نظره في أمور الحياة علم أن أفضل لذاتها ما يكتسب من الأهل والأصحاب والشعر والجمال والغناء، وغير ذلك من الموارد ذات اللذات الشريفة التي تعلو بالنفس عن الفناء في عبادة درن الحياة.
إني لست ناصحا للرجل أن يهجر مساعيه، وإنما أريد منه أن يقصر من غلواء اندفاعه فيها، حتى يقدر أن ينعم بلذات الحياة. أما إذا بلغ المرء من حياته منزلة الشيخ كان التذكر هو الذي يجعل له في الحياة رغبة؛ لأن كل شيء مضى منها قد صار جزءا من نفسه.
مثل هذه النفس مثل الطفل ذي الخلق الجامح، لا يهدأ حتى تضع في فمه قطعة من الحلوى، وكذلك النفس لا تروضها بأحسن من أن تغذيها بالأمل، ولو كان ممنوعا مصدره مخلوفا أكثره. غير أن أبهى وأعظم ما يكون الأمل إذا كان المرء في حال من أحوال الشقاء، فهو كما قال البحتري:
صفحة غير معروفة