والثاني: ما رواه أبو داود في سننه أن رجلا جاء إلى النبي فقال: أعطني من الصدقات؟ فقال النبي : ((إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيك حقك)) وقد ذهب إلى هذا الشافعي وعكرمة، والزهري، إلا أن يستغني أحدها دفع إلى الآخرين، بلا خلاف، وذهب طوائف إلى جواز الصرف في صنف واحد: طائفة من الصحابة وهم: عمر، وابن عباس، وحذيفة، وطائفة من التابعين وهم: عطاء وإبراهيم، وسعيد بن جبير، والحسن، وطائفة من الأئمة:قال في الشفاء: الهادي والقاسم، وأسباطهما، وزيد والمؤيد بالله.قال: وهو قول القاسمية والناصرية جميعا، وطائفة من الفقهاء وهم: أبو حنيفة وأصحابه ومالك.
قال في التهذيب: وادعى فيه مالك الإجماع، وخرجوا عن ظاهر دلالة الآية المذكورة والخبر بوجوه:
الأول: أن الله تعالى قال في سورة البقرة: {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} فدلت على أنه تعالى ذكر العدد لبيان جنس من يستحقها.
الثاني: الخبر وهو قوله -عليه السلام- لمعاذ: (( أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنياهم وترد في فقرائهم)).
الثالث: حديث سلمة بن صخر فإنه -عليه السلام- جعل له صدقة بني زريق.
الرابع: أنه لم يظهر في ذلك خلاف من جهة الصحابة فجرى كالمجمع عليه.
الخامس: المعارضة للفظ بالمعنى فإن المقصود منها سد الخلة.
قال صاحب النهاية: هذا أقرب إلى اللفظ، ويؤيد هذا أنها مستحقة بالمعنى لا بالاسم أنا لو قلنا: يستحق بالاسم لزم أن من كان فقيرا غازيا غارما مسافرا أن يستحق سهاما، وأجمع أنه لا يستحق سهاما لهذه الأسباب جميعا.
ثم نعود إلى ذكر الأصناف صنفا صنفا، فقوله للفقراء دلالة اللفظ تقضي بالاستغراق.
ولما كان متعذرا سقط الاستغراق، وهل يحمل على الجنس أو على أقل الجمع؟
قال الشافعي: يحمل على أقل الجمع وهو ثلاثة.
وقال محمد: إلى اثنين.
ومذهبنا وأبي حنيفة أن المراد الجنس فيجوز في واحد ؛ لوجهين:
الأول: ما روي أنه جعل صدقة بني زريق لسلمة بن صخر.
الثاني: أن الاستغراق لما تعذر حمله على الواحد كما إذا قال: لا أتزوج النساء ولا أشرب الماء حمل على الأقل.قال في الشرح: وقياسا على النذور :مفهومه أن ذلك وفاق .
صفحة ١١