لعزة إذ ما حل بالخيف أهلها ... فأوحش منها الخيف بعد حلول
وبدل منها بعد طول إقامة ... تبعث نكباء العنى جفول
لقد أكثر الواشون فينا وفيكم ... ومال بنا الواشون كل مميل
وما زلت من ليلى لدن طر شاربي ... إلى اليوم كالمقصي بكل سبيل
ومنها:
لا تغدرن بوصل عزة بعد ما ... أخذت عليك مواثقًا وعهودا
إن المحب إذا أحب حبيبه ... صدق الصفاء وأنجز الموعودا
الله يعلم لو أردت زيادة ... في حب عزة ما وجدت مزيدا
رهبان مدين والذين عهدتهم ... يبكون من حذر العذاب قعودا
لو يسمعون كما سمعت حديثها ... خرو العزة خاشعين سجودا
والميت ينشر أن تمس عظامه ... مساو يخلدان يراك خلودا
وهذا الشعر رواه الحافظ مغلطاي كما هو عن جميل وقد رأيته في النزهة منسوبًا إليه وبعدما ذكر بيتًا استشهد به على مجيء التوكيد بالحرق قال وكثيرًا ما نقله النحاة هكذا:
لا لا أبوح بحث بثنة أنها ... أخذت عليّ مواثقًا وعهودا
قال القالي هو لكثير وذكر بثنة سبق قلم والأصل عزة أو أن الشعراء كثيرًا ما يعدلون عن اسم من يريدون إلى ما لا يريدون تودية وغيرة وسيأتي لذلك ايضاح.
ومنها:
تفرق أنواع الحجيج على منى ... وفرقهم شعب النوى بين أربع
فلم أر دارًا مثلها دار غبطة ... وملقى إذا التف الحجيج لمجمع
أقل مقيمًا راضيًا بمقامه ... وأكثر جارًا ظاعنًا لم يودع
فشاقوك لما وجهوا كل وجهة ... سراعًا وأخلوا عن منازل بلقع
فريقان منهم سالك بطن نخلة ... وآخر منهم سالك خبت يفرع
أخبار قيس ولبنى
هو قيس بن ذريح بن سنة، وفي رواية ابن الحباب يتصل نسبه ببكر بن عبد مناة عذري وهو من خزاعة واسم أبيه علي أو هو جده، وكان ينزل بظاهر المدينة وهو رضيع الحسين بن علي بن أبي طالب، وسبب علاقته بلبنى بنت الحباب الكعبية أنه ذهب بعض حاجاته فمر ببني كعب وقد احتدم الحر فاستسقى الماء من خيمة منهم فبرزت إليه امرأة مديدة القامة بهية الطلعة عذبة الكلام سهلة المنطق فناولته اداوة ماء، فلما صدر قالت له ألا تبرد عندنا، وقد تمكنت من فؤاده فقال نعم، فمهدت له وطاء واستحضرت ما يحتاج إليه وإن أباها جاء.
فلما وجده رحب به ونحر له جزورًا وأقام عندهم بياض اليوم ثم انصرف وهو أشغف الناس بها فجعل يكتم ذلك إلى أن غلب عليه فنطق فيها بالأشعار وشاع ذلك عنه وأنه مر بها ثانيًا فنزل عندهم وشكا إليها حين تخاليا ما نزل به من بها فوجد عندها أضعاف ذلك فانصرف وقد علم كل واحد ما عند الآخر.
فمضى إلى أبيه فشكا إليه فقال له دع هذه وتزوج بإحدى بنات عمك، فغم منه وجاء إلى أمه فكان منها ما كان من أبيه فتركهما وجاء إلى الحسين بن علي وأخبره بالقصة فرثى له والتزم له أن يكفيه هذا الشان.
فمضى معه إلى أبي لبنى فسأله في ذلك فأجابه بالطاعة، وقال يا ابن رسول الله لو أرسلت لكفيت، بيد أن هذا من أبيه أليق كما هو عند العرب فشكره ومضى إلى أبي قيس.
1 / 37