من الدهر أو اخلو بكنّ وإنما ... أعالج قلبًا طامحًا حيث يطمح
وفي نزهة النفوس:
لرؤية يوم واحد من بثينة ... ألذ من الدنيا لديّ وأملح
وهو أحسن تركيبًا وأظهر في أعمال أفعل التفضيل وقوله من الدهر معمول ٣ حلفت وفي نسخة مدى الدهر وهو أحسن وأنسب فقيل الشيخ أرخين الخباء فوالله لن يفلح أبدًا يعني لا يرجع عن العشق ويدل للأول قوله:
أتاني عن مروان بالغيب أنه ... مقيد دمي أو قاطع من لسانيا
ففي العيش محياة وفي الأرض مهرب ... إذا نحن دافعنا لهن المثانيا
ويحتمل تعدد الواقعة ولما عزل عاد وقيل مما استدل به على تمكن عشقه لها وأنه لا يمكن سلوه عنها مع حكاية البنات المذكورة قوله فيما رواه الشهاب محمود في منازل الأحباب عنه:
علقت الهوى منها وليدًا فلم يزل ... إلى الآن ينمي حبها ويزيد
وأفنيت عمري في انتظار نوالها ... وأفنت بذاك الدهر وهو جديد
وللعشاق من أمثال ذلك كثير فمن ذلك قول عروة:
هواها هوى لا يعرف القلب غيره ... فليس له قبل وليس له بعد
وقول المجنون:
ولما أبى إلا جماحًا فؤاده ... ولم يسل عن ليلى بمال ولا أهل
تسلي بأخرى غيرها فإذا التي ... تسلي بها تغري بليلى ولا تسلي
وأعظم ما قيل في هذا المعنى واسجم وألطف وأرق وأصنع وأمنع قول الاستاذ ﵀:
حديثي قديم في هواها وماله ... كما علمت بعد وليس له قبل
فإنه قد جمع معاني الأبيات المذكورة الصناعات البديعية من المقابلة الضدية والطرفية ولعمري أنها لم تجتمع لغيره فيما نعلم وعن مغلطاي عن أبي الفرج وشت جارية بجميل وبثينة إلى أبيها وأنه الليلة عنها فأتى وأخوها مشتملين معتمدين سيفيهما لقتله فسمعاه يقول لها بعد شكوى شغفه بها هل لك في طف، ما بي بما يفعل المتحابان فقالت قد كنت عندي بعيدًا من هذا ولو عدت إليه لن ترى وجهي أبدًا فضحك ثم قال والله ما قلته إلا اختبارًا ولو أجبت إليه لضربتك بسيفي هذا إن استطعت وإلا هجرتك أما سمعت قولي:
وإني لأرض من بثينة بالذي ... لو أبصره الواشي لقرّت بلابله
بلى وبأن لا أستطيع وبالمنى ... وبالأمل المرجوّ قد خاب آمله
وبالنظرة العجلى وبالحول ينقضي ... أواخره لا نلتقي وأوائله
فقالا لا ينبغي لنا إيذاء من هذه حالته ولا منع التزاور وانصرفا وسأل عبد الملك يومًا كثيرًا عن حال جميل وبثينة فقال يا أمير المؤمنين سايرته يومًا إليها فلما وصلنا بالقرب منهم أقبلت مع نسوة فلما رأينه ولين ووقفا يتحادثان من أول الليل حتى طلع الفجر ثم قالت حين أزمعا الفراق ادن مني فدنا فأسرت إليه فخر مغشيًا عليه فلما أفاق أنشد:
فما ماء مزن في جبال منيفة ... ولا ما أكنت في معادنها النحل
بأشهى من القول الذي قلت بعدما ... تمكن في حيزوم ناقتي الرحل
وعن كثير قال سألني جميل أخذ موعد من بثينة فقلت هل بينكما موعد قال بوادي الدوم وهي تغسل الثياب فجئت أباها وهو جالس فحادثته قليلًا ثم أنشدته:
وقلت لها يا عز أرسل صاحبي ... على نأي دار والموكل مرسل
فإن تجعلي بيني وبينك موعدًا ... وإن تأمريني بالذي فيه أفعل
وآخر عهد منك يوم لقيتني ... بأسفل وادي الدوم والثوب يغسل
فضربت سجاف البيت وقالت اخسأ فقال أبوها ما هذا فهذا كلب يأتينا من وراء هذه الرابية إذا نام الناس فمضيت وأخبرته فأقبل حتى اجتمعا ليلة وسارته كما سلف إلا أنه أنشد البيتين عند إفاقته لم يغير فيهما غير أن قال: نما مكفهر في مجامر جنة. ولا ما أسرت وعن مغلطاي قال دخلت بثينة على عبد الملك وقد أخلقها الدهر فقال لها ما الذي رأى فيك جميل حتى عشقك فقالت ما رأي فيك الناس حتى ولوك الخلافة فضحك حتى بدت له سن سوداء كان يسترها ودخل مصعب بن الزبير يومًا على زوجته عائشة بنت طلحة وكان شغفها بها فوجدها تتمشط فتمثل بهذا البيت:
ما أنس لا أنس منها نظرة عرضت ... بالحجر يوم جلتها أم منظور
1 / 28