وعن عبد الواحد بن زيد قال اشتكيت ألمًا في ساقي حتى منعني القيام فتحاملت حتى عجزت فجمعت ازاري في المحراب وتوسدته فغفلت وإذا أنا بجارية كأنها جوهرة شفافة وعليها من الملابس ما يبهر العين رؤيته وخلفها جوار كأنهن الأقمار فقالت لبعضهن احتملنه ولا تؤذينه ثم قالت افرشنه ومهدنه وأقبلت تملس على ألمي ثم قالت قم إلى صلاتك بلا أذى فانتبهت كالذي نشط من عقال وعنه من رواية أخرى أنها قالت له أنا لك فجد في طلبك قال فلم أنم بعدها وفي أخرى عنه قال فما أخذتني السنة حتى رأيت شابًا وبيده ورقة بيضاء فناولني إياها وإذا فيها:
ينام من شاء على غفلة ... والنوم كالموت فلا تتكل
تنقطع الأعمال فيه كما ... تنقطع الدنيا على المنتقل
وكان كثيرًا ما يردد هذه ويقول فرق الموت بين المصلين ولذة الصلاة ويعدد أفعال الخير ولعل الوقائع متعددة.
وعن صاحب المصارع بسنده إلى محمد بن الفرج قال نظرت إلى جارية تباع فقلت بكم هذه قيل بألف دينار فرفعت رأسي إلى السماء وقلت اللهم إنك تعلم أني لا قدرة لي على ذلك وأني لو سألتك إياها لوهبتها لي ولكني أسألك أنفس منها عندك من لا تمرض ولا تسقم ومهرها عندي أن لا أنام ليلًا ولا أطعم نهارًا ولا أضحك إلى أحد وها أنا مجد في المهر فلم ير بعد ذلك على غير ما قال حتى مات.
وعن رابعة العدوية قالت كان لي ورد في الليل قد اعتدته فمرضت مرضًا أعقبني فترة عنه فبينما أنا راقدة إذ نظرت كأني في روضة كثيرة النبات والقصور وجارية تطارد طيرًا أخضر تريد أن تأخذه فالتهيت بحسنها عنه وقلت دعيه لأني لم أر أحسن منه فقالت ألا أريك أحسن منه فقلت بلى فأخذت بيدي فأدخلتني إلى بيت يحار فيه البصر من تلألؤ نوره ثم رفع عن بستان وخرج منه وصائف بأيديهن مجامر الند والعنبر فقالت لهن الآخذه بيدي إلى أين فقالوا إلى فلان قد قتل في البحر فقالت ألا تجهزن هذه المرأة فقالوا قد كان لها حظ في ذلك فتركته فانتبهت فزعة ولم أنم بعدها وبقي من هذا الباب بعض حكايات لا تناسب الترجمة ومع ذلك فائدتها قليلة فلذلك أضربنا عنها.
الباب الثاني
في أحوال عشاق الجواري والكواعب
وذكر ما صدر لهم من العجائب
وفيه خمسة أقسام الأول فيمن اشتهرت سيرته وظهرت في الحب سريرته قد تقدم في أحوال العشق أنه من الأحوال القديمة حتى ورد فيه ما سمعت من الأخبار والآثار وغالب ما يكون من قبل النساء حتى قال بعض العارفين وأظنه الجنيد كما أن النساء حبائل الشيطان فهن حبائل العرفان إذ قد يتوصل العاقل من عشقهن إلى معرفة مبدعهن لأن المقدمات الصريحة تنتج الأغراض الصحيح وبالحري من أمعن النظر في مخلوق زائل ترقى عند معرفة غايته إلى دائم فاعل وهذا مثل قولهم الرياء قنطرة الاخلاص.
عن ابن عباس قال لما عتقت بريرة وكان زوجها حبشيًا وفي رواية اسود وخيرت فاختارت الفسخ جعل يطوف في المدينة باكيًا يترضاها فقال لها رسول الله ﷺ لو تزوجته فقالت إن أمرتني بذلك فقال لا آمرك ولكني شفيع وقد أخرج القصة البخاري، وفي تتمة ذيل الأماني للقالي عن ابن الأنباري قال دخلت على إبراهيم بن محمد وقد سامته جاريه له البيع فأجابها وكان يحبها فأنشد:
أبت الغداة بوصلها غدّار ... فدموع عينك لا تجف غزار
واستبدلت بك صاحبًا ومؤانسًا ... وكذا الغواني وصلهن معار
وكان ابن عباس يومًا جالسًا بفناء الكعبة إذ وضع بين يديه شخص قد حمله إلى الكعبة يستشفعون له فكشف عنه فأنشد:
بنا من جوى الأحزان والحب لوعة ... تكاد لها نفس الشفيق تذوب
ولكنّ ما أبقى حشاشة ما ترى ... على ما ترى عود هناك صليب
فرأى رسمًا عافيًا وحسًا خافيًا وجسمًا باليًا فمكث أربعين يومًا لا يسأل الله بعد صلاته إلا المعافاة من العشق وأخرج ابن عساكر في الأمالي أن هذا المذكور عذري.
1 / 25