أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون
[الأعراف: 99] على الاستعارة المفردة أو التمثيلية، أو المشاكلة التقديرية، بأن لوح إلى مكرهم وصرح بمكره، كقوله تعالى: صيغة الله، واختار بعض أنه جائز جاز فى حق الله بلا مشاكلة، والأصل عدم التقدير، وقال الفخرك جاء حقيقة، على أنه إيصال الشر إلى الغير بخفاء، أو أنه التدبير المحكم ووجه التجوز أنه يفسر بإيصال الشر، ولو إلى الغير باحتيال، والحيلة أعم، لأنها لا تختص بالشر، ولا يوصف الله تعالى بها لأنها عن عجز { والله خير } أعظم وأشد إضارار، أو أقوى أو أعلم { الماكرين } وهذا تهديد وهو أنسب بالمقام، بخلاف ما لو قلنا، المعنى مكر الله أحسن، لأنه وقع فى محله لا ظلم وأيضا لاحسن فى مكرهم إلا بتكليف اعتبار حسن اللياقة فى المكر من غير عتبار حل وحرمة.
[3.55]
{ إذ قال الله } مكر الله إذ قال الله، أو خير الماكرين إذ قال الله أو اذكر إذ قال الله، أوقع ذلك إذ قال الله، والأول أولى،لأن ظهور مكره فى ذلك الوقت، والوقت متسع، { ياعيسى إنى متوفيك } مستوفى أجلك لا أنقص منه شيئا، فلا تموت إلا عند قرب الساعة أو متوفيك بعد سبع ساعات أو ثلاث، وبه قالت النصارى، أو بنوم كما روى أنه رفع نائما، فسمى النوم موتا، وليس رفعه نائما لئلا يخاف، لأن الخوف بذلك غير شأن الأنبياء، لا بقتلهم، إذ لا يصلون إليك، أو قابضك من الأرض، أو مميتك عن الشهوات حتى تكون كالملائكة ، لا تأكل ولا تشرب، وتقتصر على العبادة، واختار القرطبى وغيره، أنه أخذه بلا نوم ولا موت، { ورافعك إلى } أى إلى محل كرامتى ومقر ملائكتى من الدنيا والقبض لا يلزم أن يكون إلى فوق، فبينه إلى فوق، وروى أنه نزل ومات ثم رفع { ومطهرك من الذين كفروا } مبعدك من كفرهم لا ينالك، ومن مضرتهم ومن سوء حوارهم، وكل ذلك منهم كالنجس والشيء الخبيث لما اجتمعوا على قتله، بعث الله إليه جبريل، فأدخله خوخة فى سقفها فرجة، فرفعه الله من تلك الفرجة، وأمر ملك اليهود رجلا فى أربعة آلاف، آخذين باب الغرفة منهم، يقال له، مطيانوس، أن يدخل الخوخة فيقتله فيها، فلما دخلها لم ير عيسى، وألقى الله شبه عيسى عليه، فلما خرج ظنوا أنه عيسى فقتلوه، وقالو له، أنت عيسى، فقال: أنا صاحبكم الذى دلكم عليه، وقد لهم عليه بثلاثين درهما، فلم يلتفتوا إلى قوله، ولما قتلوه قالوا وجهه يشبه وجه عيسى، وبدنه يشبه بدن صاحبنا، فإن كان هذا عيسى فأين صاحبنا، وإن كان صاحبنا فأين عيسى، فوقع بينهم قتال: { وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة } وهم اليهود الكافرون به، خطاب لعيسى بأنه من آمن به يكون غالبا وقاهرا لمن كفر به بالحجة والسيف، فالنصارى مطلقا، والمؤمنون من هذه الأمة ظاهرون على اليهود لأن النصارة، ولو كفروا بالنبى صلى الله عليه وسلم، وكانوا من أهل النار، هم متبعون لعيسى من حيث إنهم آمنوا بعيسى وأحبوه، ولو كفر من كفر أيضا يجعله إلها أو ابن الله، تعالى الله عن قول المبطلين، وإذا كان يوم القيامة زاد ارتفاعا بدخول الجنة المؤمنون من هذه الأمة، والمؤمنون بعيسى القائلون إنه عبد الله ورسوله إن لم يكفروا بالنبى صلى الله عليه وسلم، ولا ملك لليهود ولا دولة، والنصارى أشد مخالفة لعيسى، ولم يرض ما هم عليه من الكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبغيره { ثم إلى مرجعكم } رجوعكم بالبعث، ولا يشكل بقوله فى الدنيا، لأنه ليس المراد إيقاع كل واحد من التعذيب فى الدنيا والتعذيب فى الآخرة، وأحداثهما يوم القيامة بل أن مجموعهما يتم يوم القيامة، أو نقول، الرجوع أعم من الدنيوى والأخروى، أو المراد بالدنيا والآخرة التأبيد لا حقيقة كل واحدة، كأحد أوجه فى قوله تعالى:
ما دامت السماوات والأرض
[هود: 107، 108]، أو الترتيب بم ترق من كلام لآخر، ويجوز أن يكون ذلك تفسيرا للحكم باعتبار المجموع، فالترتيب باعتبار تعذيب الآخرة، وأما تعذيب الدنيا فذكره لإظهار مزيد الغضب، والله أعلم، والخطاب لعيسى ومن معه، ولمن كفر به على التغليب المخاطب على الغائب، وكذا فى قوله { فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون } من أمر الدين، بإدخال الجنة من آمن بعيسى عليه السلام وبمحمد صلى الله عليه وسلم واتبعهما سلب الله عيسى شهوة الطعام والشراب والنوم وسائر الشهوات الإنسانية، وكساه الريش وألبسه النور، وأرسل إليه سحابة فرفعته، وتعلقت به أمه وبكت، فقال لها: إن القيامة تجمعنا، وذلك ليلة القدر ببيت المقدس، وطار مع الملائكة، فقالت اليعقوبية والملكانية، كان الله فينا ثم صعد إلى السماء، وقالت النسطورية، كان فينا ابن الله، ثم رفعه، وقالت فرقة: كان فينا عبد الله ورسوله فرفعه الله، وهم المسلمون المحقون من النصارى فقتلهم تلك الفرق الثلاث، فانطمس الإسلام إلى أن بعث الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم، وبعد سبعة أيام من رفعه، قال الله تعالى: اهبط إلى مريم فإنه لم يبك عليك أحد بكاءها، ولم يحزن عليك أحد حزنها، واجمع الحواريين، وبثهم فى الأرض، ودعاة إلى الله عز وجل، فأهبطه الله، فاشتعل الجبل نورا، فجمعهم وبثهم فى الأرض، فتلك الليلة تدخن فيها النصارى، ولما أصبح الحواريون تكلم كل بلغة من أرسله عيسى إليهم، وطلوعه ليلة القدر لا ينافى خصوصنا بها، لأنها فى حقنا خير من ألف شهر، ويجاب فيها إلى غير ذلك، وعاشت أمه بعده أكثر من سبع سنين، وقيل، عاشت ست سنين، فسرها اثنان وخمسون، لأنها حملته بنت ثلاث عشرة سنة، وفى الصحيحين أنه ينزل قرب الساعة ويحكم بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا يقبل عن أهل الكتاب و المجوس إلا التوحيد، أو يقتلهم، ويقتل الدجال والخنزير ويحطم الصليب، ويمكث سبع سنين، وفى أبى داود أربعين، ويدفن فى حجرة النبى صلى الله عليه وسلم بعد غسل المسلمين إياه وصلاتهم عيه، ويجمع بين الروايتين بأن عدد الأربعين عدد ما قبل الرفع، وما بعد نزوله منه، ويبعث أبو بكر وعمر بين نبيين.
[3.56]
{ فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا فى الدنيا والأخرة } الخ هذا تفسير لقوله، فاحكم، أما الدنيا فبالقتل والسبى والجزية والذل والجلاء، وأما فى الآخرة فعذاب القبر والمحشر والنار { وما لهم من ناصرين } مانعين من العذاب.
[3.57]
{ وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم } فى الدنيا والآخرة، أو فى الآخرة { والله لا يحب الظالمين } مقتضى الظاهر، ولا نحب، أولا أحب، وذكر الجلالة لتربية المهابة، وأل للحقيقة بتضمن استغراقا، أو للاستغراق: جاءت بعد السلب لعموم السلب.
صفحة غير معروفة