البصيرة في صحة عقده، فحينئذ يظهر المحبوب هجرانًا ليرى صبر محبه، وذلك لئلا يصفو الدهر البتة، وليأسف المحب إن كان مفرط العشق عند ذلك لا لما حل، لكن مخافة أن يترقى إلى ما هو أجل فيكون ذلك الهجر سببًا إلى غيره، أو خوفًا من آفة حادث ملل.
ولقد عرض لي في الصبا هجر مع بعض من كنت آلف، على هذه الصفة، وهو لا يلبث أن يضمحل ثم يعود؛ فلما كثر ذلك قلت على سبيل المزاح شعرًا بديهيًا ختمت كل بيت منه بقسيم من أول قصيدة طرفة بن العبد المعلقة، وهي التي قرأناها مشروحة على أبي سعيد الفتى الجعفري عن أبي بكر المقرئ عن أبي جعفر النحاس، ﵏، في المسجد الجامع بقرطبة، وهي: [من الطويل] تذكرت ودًا للحبيب كأنه ... " لخولة أطلال ببرقة ثهمد " وعهدي بعهد كان لي منه ثابت ... " يلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد " وقفت به لا موقنًا برجوعه ... " ولا آيسًا أبكي وأبكي إلى الغد " إلى أن أطال الناس عذلي وأكثروا ... " يقولون لا تهلك أسى وتجلد "