- ٢١ - باب الهجر
ومن آفات الحب أيضًا الهجر، وهو على ضروب: ١ - فأولها؛ هجر يوجبه تحفظ من رقيب حاضر؛ وإنه لأحلى من كل وصل.
ولولا أن ظاهر اللفظ وحكم التسمية يوجب إدخاله في هذا الباب لرجعت به عنه ولأجللته عن تسطيره فيه.
فحينئذ ترى الحبيب منحرفًا عن محبه، مقبلًا بالحديث على غيره، معرضًا بمعرض لئلا تلحق ظنته أو تسبق استرابته؛ وترى المحب أيضًا كذلك، ولكن طبعه له جاذب، ونفسه له صارفة بالرغم، فتراه حينئذ منحرفًا كمقبل، وساكتًا كناطق، وناظرًا إلى جهة نفسه في غيرها؛ والحاذق الفطن إذا كشف بوهمه عن باطن حديثهما علم أن الخافي غير البادي، وما جهر به غير نفس الخبر، وإنه لمن المشاهد الجالبة للفتن، والمناظر المحركة للسواكن، الباعثة للخواطر، المهيجة للضمائر، الجاذبة للفتوة.
ولي أبيات في شيء من هذا أوردتها، وإن كان فيها غير هذا المعنى على ما شرطنا، منها: [من الطويل] يلوم أبو العباس جهلًا بطبعه ... كما عير الحوت النعامة بالصدى