ج_المظالم في الأعراض: وإذا كانت المظلمة في الأعراض، كأن تكون بقدح في أحد بغيبة، أو قذف، أو نميمة، أو أن تكون بإفساد لذات البين_فليتحلل ممن أساء إليه، وليصلح ما أفسد قدر الإمكان.
فإن كان إذا أخبر من أساء في حقهم لا يغضبون منه، ولا يزيدون حنقا عليه، ولا يورثهم ذلك غما_صارحهم، وطلب منهم المسامحة بعبارات عامة كأن يقول: إني أخطأت في حقك في الماضي، وأسأت فهمك فظلمتك بكلام تبين فيما بعد خطؤه، وإنني تبت الآن فسامحني_فلا بأس في ذلك؛ فقد يكون المخبر رجلا كريما يقيل العثرة، ويتجاوز عن الزلة.
وإن كان إذا أخبرهم بما اغتابهم، أو قذفهم به حنقوا عليه، وازدادوا غما وغيظا، أو أنه إذا أخبرهم بالعبارات العامة لم يقنعوا إلا بالتفاصيل التي إذا سمعوها زادوا كراهية لهذا الشخص_فإنه حينئذ لا يخبرهم، بل يكفي توبته بينه وبين الله، وأن يذكر المساء إليه بخير كما ذكره بشر، فيبدل غيبته بمدحه، والثناء عليه بما هو أهله، ويستغفر له بقدر ما اغتابه؛ فهذا هو المتعين في مثل هذه الحالة؛ ذلك أن الإعلام_والحالة هذه_مفسدة محضة، لا تتضمن مصلحة؛ فإنه لا يزيده إلا أذى وحنقا، وغما، وكان مستريحا قبل سماعه، فإذا سمعه ربما لم يصبر على حمله، وربما أورثه ضررا في نفسه أو بدنه.
وما كان هكذا فإن الشارع لا يبيحه فضلا عن أن يوجبه، ويأمر به.
وربما كان إعلامه به سببا للعداوة والحرب بينه وبين القائل؛ فلا يصفو له أبدا، بل يورثه علمه به عداوة وبغضاء مولدة لشر أكبر من شر الغيبة والقذف.
وهذا ضد مقصود الشارع من تأليف القلوب، والتراحم، والتعاطف، والتحابب.
وإذا كانت مظلمة الأعراض متعلقة بالمحارم ثم تاب منها فشأنها شأن الغيبة، والنميمة، والقذف من جهة الاستتار، وترك الإعلام؛ فتكون توبة الإنسان فيما بينه وبين ربه.
بل إن مصلحة الإخفاء ههنا أكبر؛ لأن مصلحة الإعلام لا تكاد تذكر.
صفحة ٥١