ومعنى الآية_كما يقول المفسرون_ : أن قوم يونس_عليه السلام_لما أظلهم العذاب، وظنوا أنه قد دنا منهم، وأنهم قد فقدوا يونس_قذف الله في قلوبهم التوبة، وفرقوا بين كل أنثى وولدها، وعجوا إلى الله أربعين ليلة_أي رفعوا أصواتهم بالتلبية والدعاء_فلما علم الله منهم صدق التوبة كشف عنهم العذاب، وقال: [ومتعناهم إلى حين] يونس: 98 أي لم نعاجلهم بالعقوبة، فاستمتعوا بالحياة الدنيا إلى حين مماتهم وقت انتهاء أعمارهم(94).
فما أحوج أمتنا اليوم أن تعج إلى الله منيبة تائبة، ليرضى عنها، ويرفع عنها ما هي فيه من الذلة، والمهانة، والخيبة، والتبعية لأعدائها(95).
هذا ومما يجب على الأمة في هذا الباب زيادة على ما مضى ما يلي:
أ_التوبة من الإسراف: فالإسراف نذير شؤم، ومؤذن هلاك؛ فهو يفضي إلى الفاقة، وينزل بأهله إلى طبقة المقلين أو المعدمين.
والإسراف في الترف ينبت في النفوس أخلاقا مرذولة من نحو الجبن، والجور، وقلة الأمانة، والإمساك عن البذل في وجوه الخير.
أما أن الإسراف في الترف يدعو إلى الجبن فلأن شدة تعلق النفوس بالزينة واللذائذ يقوي حرصها على الحياة، ويحملها هذا الحرص على تجنب مواقع الحروب، وإن كانت مواقف شرف وذود عن النفس، والمال، والعرض.
وأما أن الإسراف في الترف يسهل على النفوس ارتكاب الجور فلأن المنغمس في الترف يحرص على اكتساب المال ليشبع شهواته، فلا يبالي أن يأخذه من طرق غير مشروعة، فيمد يده إلى الاستيلاء على ما في يد غيره من طريق الرشوة، أو من طريق الغصب إن كان ذا سلطان وقوة.
وأما أنه يذهب بالأمانة فلأن الغريق في الترف إنما همه الوصول إلى زينة أو لذة، أو مطعم ونحوه_كثيرا ما تدفعه هذه الشهوات إلى أن يخون من ائتمنه، فيمد يده إلى المال الذي ائتمن عليه، وينفقه في شهواته الطاغية.
صفحة ٣٥