تحدثت معي حديثا أبكاني، ثم هددت بأنها ستخبر أبي إذا ... وأظن أنها أخبرته لأنه بعد عام واحد من هذه الحادثة زوجني ابن خالتي، ولو أنني رفضت قائلة لأبي صراحة: سيتزوجني محمد آدم.
ضحك أبي حتى سالت أدمعه، ثم قال: من محمد آدم هذا؟ ذلك الولد الذي يدرس في الصف الثالث بالمدرسة المتوسطة؟ الولد الذي معنا في المنزل؟
قلت مدافعة: عندما يتخرج في الجامعة.
قال ساخرا: بعد عشرين عاما ... يتخرج ويبني بيتا ويعمل ثم يتزوج، حينها ستبلغين سن اليأس وسيتزوج غيرك، بنتا صغيرة في الرابعة عشرة من عمرها ؛ تزوجي ابن خالتك وهو رجل غني وطيب وتتمناه كل فتاة.
قلت وقد يئست من حجتي الأولى بعد أن تفهمها أبي: أريد أن أقرأ.
قال مبتسما: الزواج لا يمنع القراءة، وأنت بنت صغيرة في الرابعة عشرة من عمرك، وإن شاء الله ستواصلين الدراسة بعد الزواج، ولا أظن نور الدين سيرفض هذا الطلب، إنه رجل أعمال ومال.
دارت الطواحين بالريح، بالصراصير المختبئة بجوالات الحنطة، دارت الطواحين فحطمت أحلامي الصغيرة طحنا ... طحنا سريا بائسا ... طحنا.
وعندما رحلت إلى بيت الزوجية الكبير المرعب، أرسل محمد آدم مع أخي الصغير الأطلس المصور وسافر إلى القرية.
ذلك السفر الذي لم يعد منه إلى الآن ... إلى الأبد، حيث تلقينا وفاته في نفس اليوم، فاللوري الذي كان على متنه تصادم بوابور حرث وسقط على ترعة صغيرة؛ مات كثيرون من بينهم محمد آدم ... كان وقع الخبر علي كالصاعقة، وأحسست إحساسا قويا بأن أبي وزوجي نور الدين هما اللذان قتلا محمد آدم؛ لقد رميا باللوري وأغرقا محمد آدم.
فكرهتهما كراهية شنيعة، ومقتهما مقتا حامضا منذ تلك اللحظة ...
صفحة غير معروفة