حدث ذلك فعلا، وبغير مقدمات كما تغني يمامة أو يموء قط؛ هكذا تدور بي الطواحين، تدور الطواحين بالمصائر، آلات المصانع والمجانين هكذا تدور السواقي في أطراف المدن بالسنابل والأغنيات، بإحباطات الحاكمين.
خرجت من بيت أبي كما يلقي.
خرجت كما يرمي.
كنت دائما أحلم بالسفر في الدروب الطويلة، الدروب الطويلة السفر.
ما حلمت بالبحار الميتة أبدا، بالسلاحف ما حلمت.
إلا بالدروب الطويلة، قطارات من الريح بيوت وسحابات وفراشات، أنهر تجري نحو البدايات، وأشجار تطير نحو الله، أسماك تسبح كالعاصفة.
كنت أحلم به.
كنت أحلم به تماما كما كان في الماضي، طفلا في الثالثة عشرة أو دونها، يسافر معي عبر المدن والبلاد المسحورة، التي كنا نراها في المجلات المصورة في الأطلس والكتب المدرسية، في صحونا كنا نؤكد حتمية ذهابنا إليها عندما نكبر ونتزوج، ونعيش فيها إلى الأبد، كنا نحفظ أسماءها: أوسلو، جنيف، ديزني لاند، كاليفورنيا، نيروبي، بيروت، وغيرها من البلاد الجميلة.
لقد دارت به طواحين الموت الصدئة، طواحين الموت البليدة، كان أبي مبرمجا لزمن ماض متخشب ورطب، وكنت حلما طليقا.
حدأة.
صفحة غير معروفة