فطالما أتعبتم الأبدان وأخضعتم لي الوجوه، فالآن أفضتم إلى كرامتي ورحمتي، فتمنوا عليَّ ما شئتم.
وفي بعض الحديث أنهم إذا نظروا إليه خروا (١)، فيناديهم بكلامه تبارك (٢) وتعالى: ارفعوا رؤوسكم (٣)، ليس هذا حين عمل، هذا حين سرور ونظر.
فتوهم بعقلك نور وجوههم وما يداخلهم من السرور والفرح، حين عاينوا مليكهم، وسمعوا كلام حبيبهم، وأنيس قلوبهم، وقرة أعينهم، ورضا أفئدتهم، وسكن أنفسهم، فرفعوا رؤوسهم (٤) من سجودهم، فنظروا إلى من لا يشبهه شيء بأبصارهم، فبلغوا بذلك غاية الكرامة ومنتهى (٥) الرضا والرفعة.
فما ظنك بنظرهم إلى العزيز الجليل، الذي لا يقع عليه الأوهام، ولا يحيط به الأذهان، ولا تكفيه الفكر، ولا تحده الفطن، الذي لا تأويه الأرحام، ولم تنقله الأصلاب، ولا يبدو (٦) فيكون مطبوعًا منتقلًا، الأزلي القديم، الذي حارت العقول عن إدراكه، فكلت الألسنة عن تمثيله بصفاته، فهو المنفرد بذاته عن شبه الذوات، المتعالي بجلاله على مساواة المخلوقين، فسبحانه لا شيء يعادله، ولا شريك يشاركه، ولا شيء يريده فيستصعب عليه أو يعجزه إنشاؤه، استسلم
_________
(١) أخرجه العقيلي (١/٢٩٢) من طريق حمزة بن واصل المنقري عن قتادة عن أنس، وفيه: فينادى رب العزة رضوان وهو خازن الجنة فيقول يا رضوان ارفع الحجب بيني وبين عبادي فإذا رفع الحجب بيني وبينهم فرأوا بهاءه ونوره هبوا سجودا فيناديهم بصوته أن ارفعوا رؤوسكم فإنما كانت العبادة لي في الدنيا وأنتم اليوم في دار الجزاء والخلود سلونى ما شئتم فأنا ربكم الذي صدقتكم وعدى وأتممت عليكم نعمتى فهذا محل كرامتى فسلونى.... . في حديث طويل وحمزة بن واصل مجهول في الرواية وحديثه غير محفوظ، قاله العقيلي في الضعفاء. وقال ابن حجر في لسان الميزان: لا يعرف ولا هو بعمدة.
(٢) هكذا صوب الكلمة (أ)، وكانت في الأصل عنده [تباك] .
(٣) هكذا صوب الكلمة (أ)، وكانت في أصله [روسكم] .
(٤) هكذا صوب الكلمة (أ)، وكانت في أصله [روسهم] .
(٥) هكذا صوب الكلمة (أ)، وكانت في أصله [ومنتها] .
(٦) هكذا صوب الكلمة (أ)، وكانت في أصله [يبدوا] .
1 / 77