والجبليون منهم، وأهل البادية، يحترفون رعي المواشي والأنعام، ويتعيشون منها، وقليل من الزراعة، وقلما يوجد منهم التاجر إلا في قبيلة «لوهاتي» من الجبليين، فإن غالب هذه القبيلة من التجار، ونشاطهم في التجارة على نمط غريب إذ يبلغون بأمتعتهم محمولة على الجمال إلى قرب الصين وبلاد سيبريا، ويجيئون بها إلى بلاد الأناضول، ويطوفون الأقطار الهندية، وهذه القبيلة تمتاز عن سائر القبائل بألبستها، فإن عمائمهم ذات زوايا أربع متقابلة، وأقبيتهم تشبه أقبية الأرناؤد وسكان أذربيجان، بأنها ضيقة الأعالي، واسعة الذيول، كثيرة التكاميش من الوسط.
وأما سكان المدن والقرى فيشتغلون بالزراعة وغرس الأشجار وإنشاء البساتين والرياض، وقلما يوجد فيهم أرباب الصناعة كالحدادة والنجارة والحياكة وما يشبهها، ولا يشتغل منهم بالتجارة غالبا إلا أهالي قندهار، فإن لهم حرصا على التجارة، وغالب تجارهم من طلبة العلم.
وليس للأفغانيين دراية كافية بكيفية إدارة الحكومة، وضبط الدفاتر، وما يشبه ذلك؛ ولهذا تجد جميع هذه الأمور بأيدي طائفة «قزل باش» الذين هم بقايا عساكر نادر شاه، ولا يجوزون بيع الأسراء، وإن كانوا غير مسلمين، ويكرمون الغرباء، وأبناء السبيل، ويستقبحون غالبا السرقة، وإن كانوا يتفاخرون بالنهب والغارة، وغير خاف أن الفرق بين السرقة والنهب هو الفرق بين القوة والضعف، والمنكرات التي هي نتائج الترف والترفه قليلة الوجود فيهم؛ لتمكن أخلاق البداوة منهم، ولا يخلو غالبهم من خلة الطمع؛ لتسلط الفقر عليهم. وإن نساء الأفغانيين الساكنات في المدن يسترن وجوههن بخلاف نساء القرى والبوادي، فإنهن مكشوفات الوجوه، ويختلطن مع الرجال، وتأخذ كل منهن يد رجل، ويرقصن في الأفراح على هيئة دائرة، وتارة يرقص الرجال منفردين على هذه الهيئة في الأعياد والأفراح، ويسمى هذا الرقص لديهم «عتن».
ومن عادة سكان القرى والبوادي من الأفغانيين في أفراحهم أن يدعو والد العروس أقاربه وأحبابه وجيرانه في نهار الزفاف، ويعرض عليهم الثياب التي عليه عادة أن يعدها للعروس وزوجها، ثم يستدعي الزوج في هذا الحفل، ويلبسه على ملأ الحاضرين ما أعد له بعد قراءة الفاتحة، والنسوة يفعلن ذلك بالعروس، ثم يزفونها إلى محل بعلها، مصحوبة بالأغاني والطبول، وعند وصولها واستقرارها في الحجلة التي أعدت لها، تأتي الفتيات بأنواع الفواكه والنقل، وينثرن على رأس العروس، ويأخذ المدعوون والمدعوات في التفكه بالفواكه والتنقل بها، وتلبث العروس عاكفة في محل زوجها لا تظهر في الناس أياما، فإذا مضت تلك الأيام أتت إليها بنات محلتها يعزفن بالدفوف، وعلى رأس كل منهن جرة، ويأخذنها ومعها جرة مثلهن، ويذهبن جميعا على هذه الهيئة مغنيات عازفات إلى أن يصلن نهرا أو عين ماء، فيملأن تلك الجرات، ويرجعن كذلك، وللعروس بعد ذلك ترك العزلة ومعاشرة الناس، وتختص قبيلة «منكل» و«داوور» دون القبائل بكون أبوي العروسين يجب عليهما الرقص في العرس، ولهاتين القبيلتين عادة غريبة، وهي أن شبانهم في أيام المواسم والأعياد يحلقون أحد حاجبيهم وأحد جانبي شاربهم من خلاف، ويكحلون عينا بالسواد وعينا بالحمرة، ومن له لحية منهم يحلق جانبا منها ويترك الآخر، ويقضون أيام عادتهم هذه باللعب بالسيوف، حتى يخيل للناظر أنهم يحاولون الفتك ببعضهم، وأبناء هاتين القبيلتين ممن يستفزهم حسن الصورة ويشغفهم الجمال أينما تجلى، بل هم يتنافسون في إظهار صدق المحبة وخلوصها، بتقديم الذبائح، حتى تغالى بعضهم بتقديم أبيه ذبيحة.
ومن عادة قبيلة «ختك» أن نساءها في المأتم يصبغن وجوههن ويعفرنها ويثبن لاطمات صائحات ويخمشن وجوههن بأظفارهن، ومن عادة جميع الأفغانيين إطعام المعزين ثلاثة أيام إلا أنهم يختلفون عادة في من يقوم بنفقة الأطعمة، ففي غالب القبائل يقوم بها صاحب المأتم، وفي بعضها يقوم بها جيرانه وأهالي القرى القريبة منه، أما هو فلا يصنع شيئا.
ومن أهالي القرى من يعلم الأولاد الذكور الرقص ويلبسهم ثيابا تشبه فساتين نساء الإفرنج، ويجعل عليها شراريب من جميع أطرافها، لأجل الرقص في الأفراح، وإذا ولد لأهل القرى والبوادي منهم مولود تصعد القابلة ولو في نصف الليل على سطح البيت، أو على محل مرتفع، وتنادي بأعلى الصوت ثلاث مرات إخبارا بالمولود، وتأدية لشكر هذه النعمة لله.
وجميع الأفغانيين سنيون متمذهبون بمذهب أبي حنيفة، لا يتساهلون رجالا ونساء، وحضريين وبدويين، في الصلاة والصوم سوى طائفة «نوري» فإنهم متوغلون في التشيع، ولهم محاربات شديدة مع جيرانهم السنيين، ولا يبالون بالصلاة والصوم، وإنما يهتمون بأمر مأتم الحسين - رضي الله عنه - في العشر الأول من محرم ويضربون ظهورهم وأكتافهم بالسلاسل مكشوفة، ويوجد في بعض قبائل «كاكر» بقايا من الطريقة المزدكية، وإن كانوا على دين الإسلام.
ومزدك هذا كان رجلا في زمن «قباذ» من أكاسرة فارس، وقد ادعى النبوة، وتبعه قباذ وأربعون ألفا من الفارسيين، وكان من أصول دينه الاشتراك في الأموال والنساء، وكان يعلل ذلك بأن المنازعات والمقاتلات لا تحصل إلا لأجلهما فلو حصل الاشتراك فيهما لارتفع الشقاق واستتبت الراحة، ولما مات قباذ وجلس ابنه أنوشروان المعروف بالعادل على منصة الملك، احتال لإبادة هذه الشريعة المبتدعة، فطلب الشارع، وقابله بالبشر والبشاشة، وأظهر له رضاه وقال له: «إني قد اخترت هذه الشريعة البديعة، واستحسنتها، ولكن لا أقدر أن أتظاهر بها؛ خوفا ووجلا ما لم أر الذين اتبعوك، وأعلم أن فيهم كفاءة لدفع شر المنكرين.» فعرض الشارع أتباعه عليه في محل أعده أنوشروان لذلك، فصار الجميع طعمة للسيوف، وما هرب منهم إلا ثلاثة أشخاص منهم زوجة مزدك، ولم يصدر عنه هذا الفعل إلا بمشورة وزيره بزرجمهر، حيث قال له: «إن هذا الشارع لا يريد بشريعته هذه إلا استئصال السلطنة عن وجه الأرض؛ لأن السلطنة لا تكون إلا بالمال والنسب، فإذا تأسس الاشتراك في الأموال والنساء فلا سلطنة.» وقال خواجة «نظام الملك» في تأريخه: «إن الإباحيين الموجودين في إيران من أتباع مزدك، وقد توارثوا هذه الطريقة عن الذين نجوا من حد سيف أنوشروان.» وكذلك يرى في أهالي خست وكرم بعض عادات الخوارج والنواصب فإنهم يصورون هيكلا في غرة محرم، ويدفنونه، ثم إنهم يخرجونه في يوم عاشورا، ويكسرون عنقه متهللين مستبشرين، وهؤلاء يستقبحون الختان أيضا.
والأفغانيون - مع شدة تعصبهم للدين، والمذهب، والجنس - لا يعارضون غيرهم في حقوقهم، ولا يتحاشون عن أن يروا شيعيا، أو غير مسلم، يقيم مراسم دينه، ولا يمنعون المستحقين منهم من نيل المراتب العالية في حكومتهم، فإنك ترى أرباب المناصب في البلاد الأفغانية من الشيعيين «القزل باش». وكل أفغاني يزعم أنه أشرف الناس؛ لكونه أفغانيا، ولو كان فقيرا، وأنه لا يوجد الإيمان الكامل والإسلام الخالص إلا في جنس الأفغان والعرب. وكل قبيلة إذا أرادت أن تبرم أمرا فلا بد أن يجتمع أمراؤها للمشورة، وتسمى هذه الجمعية عندهم بجركه، وإذا قتل أحد من قبيلة أحدا من قبيلة أخرى فكل فرد من أفراد القبيلة المقتول يرى أنه من الواجب عليه أن يجتهد لأخذ الثأر بقتل رجل من قبيلة القاتل، ولا يقتنعون بقصاص الحاكم، ولا يتجاوزون عن ذلك، ولو مضت عليه أعوام إلا أن يستجير بهم القاتل، وهكذا تكون الحال إذا قتل أحد من عائلة أحدا من أخرى.
والأفغانيون يحمون الدخيل، ويعينون الملتجئ إليهم بدمائهم وأموالهم، وأهل الحضارة والبداوة منهم يتسلحون غالبا بسيوف صغيرة تسمى «سيلاوة» و«نورة» وبخناجر مستقيمة، وبآلات نارية كالبنادق، والطبنجات، وغالب بنادق أهل الجبال بالفتيل، ولا تنقطع المحاربات بين القبائل والعائلات، وقد وقع كثيرا أن الابن قتل أباه، والأخ قتل أخاه، ولا ينعقد الصلح بين القبيلتين المتحاربتين إلا بالمصاهرة، وغالب سكان الجبال والأودية لا ينقادون للأمير إلا بقوة جبرية، وينتهزون الفرصة دائما لرفع الضرائب الأميرية عن عواتقهم.
صفحة غير معروفة