لا يأتي تلك الامم ويستقبلها بتلك المكاره التي فصلنا وحاله في الوحدة ما ذكرنا ثم يقول: لا تقتلونني مع حرصهم على قتله، ويقول:
ستصيرون أنصاري مع شدة ما دعوتكم إليه وهو غير واثق بما قال، ولا ساكن الى ما أخبر، ثم لا يرضى او يجعل ذلك كتابا يقرأ، وقرآنا يتلى، ويجعله في يد عدوه فيقول: «سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ» «١» .
يريد بالآفاق: ظهور الاسلام عليها، وبلوغ دعوته إليها، لأنه قد كان وعد بذلك وهو بمكة، وحين ادّعى النبوة، فكانوا يقولون: أيطمع محمد أن يظهر على الآفاق؟ لا، ولا على مكة، ولا على دار من دور مكة؛ «وفي أنفسهم» يريد: في اسلام من يسلم منهم بعد الردّ والتكذيب/ ومن يقيم على تكذيبه ويموت على شركه على ما لعلّه ان يرد تفصيله عليك.
وفي هذا المعنى قوله ﷿: «خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ، سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ» «٢» لأنه ﷺ كان اذا ذكر ظهور دينه، وغلبة اصحابه، وقتلهم لأعدائه، استبعدوا هذا بل أحالوه، وقطعوا الشهادة بأن هذا لا يكون أبدا، فيقول في جواب ذلك: «خلق الانسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون» .
وفي هذا المعنى قوله ﷿: «فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْمًا لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ» «٣» يعني هؤلاء: مثل أبي جهل، وأبي لهب،
_________
(١) فصلت ٥٣
(٢) الأنبياء ٣٧
(٣) الانعام ٨٩
1 / 14