ولا بدع فإن السمع١ منشأ النقل، والبصر٢ مبدأ العقل، ألا ترى أن كثيرا من العلماء ولدوا عمي، لهم الدرجة العليا في مراتب التصنيف، ومناقب الفتوى، ومنهم: الشاطبي٣: سلطان القراء.
_________
١ قال العلامة ابن القيم ﵀ في كلام له جميل على عجيب صنع الخالق - جل وعلا - للأذن، في كتابه مفتاح دار السعادة: ١/ ١٩٠: "وخلق الله – تعالى - الأذن أحسن خلقة، وأبلغها في حصول المقصود منها، فجعلها مجوفة كالصدفة، لتجمع الصوت، فتؤديه إلى الصماخ - القناة الموصلة إلى الطبلة - وليحس بدبيب الحيوان فيها فيبادر إلى إخراجه وجعل فيها غضونا وتجاويف، واعوجاجات تمسك الهواء والصوت الداخل فتكسر حدته، ثم تؤديه إلى الصماخ، ومن حكمة ذلك أن يطول به الطريق على الحيوان، فلا يصل إلى الصماخ حتى يستيقظ، أو ينتبه لإمساكه ... ".
ثم قال: "ثم اقتضت حكمة الرب الخالق – سبحانه - أن جعل ماء الأذن مرا في غاية المرارة، فلا يجاوزه الحيوان، ولا يقطعه داخلا إلى باطن الأذن، بل إذا وصل إليه أعمل الحيلة في رجوعه، جعل ماء العينين ملحا ليحفظها فإنها شحمة قابلة للفساد، فكانت ملوحة مائها صيانة لها، وحفظا، وجعل ماء الفم عذبا حلوا ليدرك به طعوم الأشياء".
٢ وقال أيضا في المفتاح ١/١٨٩،: عند كلامه على العين: "انظر كيف حسن - الخالق جل وعلا - شكل العينين وهيأتهما، ومقدارهما، ثم جملهما بالأجفان غطاء لهما، وسترا وحفظا، وزينة، فهما يتلقيان عن العينين الأذى، والقذى، والغبار، ويكنانهما من البارد المؤذي، والحار المؤذي، ثم غرس في أطراف تلك الأجفان الأهداب جمالا وزينة، ولمنافع أخر وراء الجمال والزينة، ثم أودعهما ذلك النور الباصر، والضوء الباهر، الذي يخرق ما بين السماء والأرض، ثم يخرق السماء مجاوزا لرؤية ما فوقها من الكواكب، وقد أودع – سبحانه - هذا السر العجيب. في هذا المقدار الصغير؟ بحيث تنطبع فيه صورة السماوات مع اتساع أكنافها، وتباعد أقطارها.
٣ هو أبو محمد القاسم بن فيره بن خلف بن أحمد الرعيني، الأندلسي، الشاطبي، ناظم (الشاطبية) في القراءات، وكذا (الرائية)، وقد سارت بقصيدتيه هاتين الركبان، وكان ذكيا، عالما بالحديث والتفسير واللغة. مات بمصر سنة (٥٩٠ هـ) .
ترجمته في: وفيات الأعيان ٤/ ٧١، نكت الهميان ٢٢٨، سير أعلام النبلاء ٢١/ ٢٦١، الأعلام ٥/ ١٨٥.
1 / 60