وإنما السبب في أنه لا يعرض لهما الكسوف في كل وقت اجتماع أو استقبال، من أجل عرض القمر واختلاف منظره. فإنه إذا عرض له من العرض ما يزيله عن مقابلة الشمس بأكثر من مقدار سعة ظل الأرض في موضع القمر، لم ينكسف. وكذلك أيضا، إذا عرض من العرض واختلاف المنظر ما يزيل القمر عن اجتماع الشمس، لم تنكسف الشمس. وأما السبب لرجوع الكواكب، فهو أن لها أفلاك تداوير. فإذا سارت في أعلى فلك تدويرها، كان مسيرها إلى خلاف الجهة التي تسير فيه إذا كانت في أسفله. فمتى كان مسيرها فيه إلى المشرق، كان ذلك زائدا في مسيرها، وإذا سارت إلى المغرب، كان ذلك ناقصا من مسيرها أو مصيرها إلى الرجوع.
أما إن كان ذلك النقصان أكثر من مسير فلك التدوير، فإنها ترى راجعة، وأما إن كان أقل منه، فإنها ترى بطيئة السير.
وأما رؤية الكواكب ورؤية الهلال، فإنها تختلف لأسباب: أحدها اختلاف عظم الكواكب، فإن ما كان منها صغيرا يرى حين يبعد عن الشمس بعدا كثيرا، وما كان منها عظيما يرى على بعد أقل منه.
والسبب الثاني أن قيام فلك البروج على الأفق ليس يجري على أمر واحد، لكن الزوايا التي فيما بينهما تختلف، فأحيانا تزيد الشمالية وتنقص الجنوبية، وأحيانا تزيد الجنوبية وتنقص الشمالية. فيختلف بعد الكواكب من الشمس في وقت أول رؤيتها وآخرها على حسب ذلك.
والسبب الثالث اختلاف الكواكب في العرض، وذلك أن ما كان له عرض شمالي يرى على بعد أقل، وما كان له عرض جنوبي على بعد أكثر فيما يلينا من الأرض المسكونة، فأما ما كان من البلدان جنوبيا عن خط الاستواء، فإن الأمر يجري فيه على خلاف ما ذكرنا.
صفحة ١١