وأن المراد بقوله: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) إنما أراد به نعمتي اللتين هما في الدنيا والاخرة. والباء في قوله تعالى: (بيدي) تقوم مقام اللام، فكأنه قال: خلقت ليدي، يريد به لنعمتي، كما قال (1): (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون) (2) والعبادة من الله تعالى نعمته عليهم، لانها تعقبهم ثوابه تعالى في النعيم الذي لا يزول، وفي تأويل الاية وجه آخر، وهو: أن المراد باليدين فيها هما (3) القوة والنعمة، فكأنه قال خلقت بقوتي ونعمتي، وفيه وجه آخر وهو، أن إضافة اليدين إليه إنما اريد به تحقق الفعل له وتاكيد إضافته إليه وتخصيصه به دون ما سوى ذلك من قدرة أو نعمة أو غيرهما، وشاهد ذلك قوله تعالى: (ذلك بما قدمت يداك) (4) وإنما أراد: ذلك بما قدمت من فعلك، وقوله تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) (5) والمراد به: فبما كسبتم. والعرب تقول في أمثالها: (يداك أوكتا وفوك نفخ) (6) يريدون به أنك فعلت ذلك وتوليته وصنعته واخترعته وإن لم يكن الانسان استعمل به جارحتيه اللتين هما يداه في ذلك الفعل.
---
(1) فيه نظر ش ظ. (2) الذاريات: 56. (3) (ش) (ح) (ق): هو. (4) الحج: 10. (5) الشورى: 30. (6) قال العلامة أبو الفضل الشيخ أحمد الميداني المتوفى سنة 518 ه في تأليفه النفيس (مجمع الامثال - ص 335 ج 2 ط مصر 1342 ه *: قال المفضل أصله أن رجلا كان في جزيرة من جزائر البحر فاراد أن يعبر على زق قد نفخ فيه فلم يحسن احكامه حتى إذا توسط البحر خرجت منه الريح فغرق فلما غشيه الموت استغاث برجل فقال له: (يداك أوكتا وفوك نفخ، يضرب لمن يجني على نفسه الحين)) وكى القربة: سدها بالوكاء: رباط القربة. انظر (فرائد اللال في مجمع الامثال - ص 363 ج 2 ط بيروت 1312 ه) لوحيد عصره العلامة الشيخ إبراهيم الاحدب (المتوفى سنة 1308 ه). چ. * قال قاضي القضاة أحمد بن خلكان (المتوفى بدمشق سنة 681 ه عن 73 سنة) في كتابه النفيس (وفيات الاعيان - ص 6 ج 2 ط مصر 1355 ه): وأتقن (يعني الميداني) فن العربية خصوصا اللغة وأمثال العرب. وله فيها التصانيف المفيدة، منها كتاب (الامثال) المنسوب إليه، ولم يعمل مثله في بابه. چ.
--- [ 35 ]
صفحة ٣٤