المراد به أنه [ أراد منهم ] (1) التوحيد، ولو كان الامر كذلك ما كان مخلوق إلا موحدا، وفي وجودنا من المخلوقين من لا يوحد الله تعالى دليل على أنه لم يخلق التوحيد في الخلق، بل خلقهم ليكتسبوا التوحيد ! وقد قال تعالى في شاهد ما ذكرناه: (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون) (2) فبين أنه إنما خلقهم لعبادته. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رواية تلقاها العامة والخاصة بالقبول، قال: كل مولود يولد فهو على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه (3). وهذا أيضا مبين عن صحة ما قدمناه من أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه، وفطرهم ليوحدوه، وإنما أتي الضالون من قبل [ أنفسهم و] من أضلهم من الجن والانس دون الله
---
(1) (ق): خلق فيهم. (2) الذاريات: 56. (3) قال العلامة الشهرستاني في مجلة (المرشد - ص 26 - 27 ج 1): الفطرة هي ما يقتضيه الشئ لو خلي ونفسه وبدون مانع، فإذا قيل: (الصدق فطري في البشر) معناه أن الانسان لو خلي ونفسه فإن حالته الفطرية تقتضي أن يصدق كلامه، وهذه الفطرة قد تدوم فيه كما هو الغالب، وقد تزول عنه بمانع أقوى فيلتجئ الى الكذب، كما أن القائل: سقوط الحجر الى الارض طبيعي، معناه: أن الحجر المتحرك حول الارض لو خلي ونفسه فحكمه السقوط الى الارض، وهذا لا يمنع أن يتخلف عن طبيعته لعارض وبسبب قاسر. وعليه فكون دين الاسلام فطريا في البشر لا ينافي وجود سبب عارض يقسره يوما على مخالفته الفطرة، وبعبارة فنية (إن الفطرة اقتضاء لا ضرورة) كما يصرح بذلك حديث (كل مولود يولد على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه وينصرانه). وأما معنى فطرية دين الاسلام، فالراجح أنه بعنوانه المجموعي، اي إن الاسلام إذا قيس الى أي دين آخر كان هو دين الفطرة دون غيره - كما أشار إليه الحديث النبوي المتقدم. ومما يريك دين الاسلام بلباسه الفطري، أن حقيقة الاسلام هو أن يسلم المرء أمره الى=
--- [ 62 ]
صفحة ٦١