والأستاذ محمد لطفي جمعة في مقال كتبه في المعرفة،
68
ومقال كتبه في البلاغ.
وكلمة «سوفيا» اليونانية معناها الحكمة، ومنها فيلسوف: أي محب الحكمة وكانت الفلسفة عند اليونان القدماء تهتم بالعلوم الطبيعية، وكان كثير من فلاسفتهم أطباء، وقد ترجمها العرب فسموا الطب الحكمة، وكلمة حكيم لا تزال تؤدي معنى كلمة طبيب، والفلسفة نفسها سماها العرب الحكمة، وقالوا: تاريخ الحكماء، فهم عرفوا من «سوفيا» الفلسفة والطب. أما الحكمة الروحانية فمن البعيد أن يكونوا لمحوها؛ لأنهم كانوا يرون اليونان من عبدة الأوثان.
على أنه ما الذي يمنع من أن تكون «سوفيا» بمعنى الحكمة الروحانية جاءت من كلمة صوف، وهي قديمة في العربية؟ إن التصوف قديم جدا عند العرب، وهو أساس المسيحية، ولبس الصوف كان علامة التقشف، فليس من المستبعد أن ترحل كلمة صوف إلى معابد اليونان.
ولا يفوتنا أن نقيد أن العرب كانوا مولعين بحفظ ما يدخل لغتهم من الألفاظ الأجنبية، ولو كان «التصوف» من «سوفيا» لنصوا عليه في كثير من المؤلفات فلم يبق إلا أن يكون ورودها في كلام البيروني بابا من الإغراب.
خاتمة البحث
وقد بقيت فروض لا تقوى على احتمال البحث كالنسبة إلى الصف بالفتح، والصفة بالضم، والصفة بالكسر، وعند التأمل نجد هذه الفروض لم تعرف إلا بعد الصدر الأول حين استقل الصوفية نسبتهم إلى الصوف!
وغرام بعض الكاتبين من أهل هذا الزمان برد الصوفي إلى سوفيا اليونانية يمثل إحدى النزعات العصرية، ففي أهل هذا الزمن من يرد كل كلمة عربية إلى أصل أجنبي حين يرد لها مشابه في لغة أجنبية، فإذا وجدت اللفظة في العربية والعبرية فالأصل للعبرية، وإذا وجدت في العربية والسريانية فالأصل للسريانية. أما اليونانية فهي عند كثير من المعاصرين سيدة اللغات في الشرق القديم!
وليس معنى هذا أننا نجعل العربية أصلا في جميع الأحوال، ولكنا نتحرز حين نجد التأويل يمت إلى نزعة يغلب عليها التجني والافتعال.
صفحة غير معروفة