6
أو الثنوية والمجوس الذين قالوا بوجود مبدأين كل منهما إله، أو النصارى:
الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة .
7
وتارة يدعو الإنسان إلى النظر في خلق السموات والأرض، وإلى النظر في النفس وما فيها من عجائب، أو في مظاهر الكون ودقائق صنع الله فيه، عله يسترشد بهذه الآيات ويهتدي إلى الإله الواحد الحق المبدع لهذا الوجود، وتارة يقرر الوحدانية عن طريق تقريره لمخالفته تعالى للحوادث فيقول:
ليس كمثله شيء ، أو يصف الحوادث بالتغير والفناء والدثور، ويصف نفسه بالقدم والأزلية والبقاء، إلى غير ذلك من الأساليب المتنوعة التي ترمي - على الرغم من تنوعها وتعدد صورها - إلى تقرير قضية أساسية واحدة، هي «أن الله واحد».
ولكن هذا المعنى البسيط لعقيدة التوحيد، وإن أرضى عقول بعض المسلمين وقلوبهم، لم يرض مسلمين آخرين كانوا على حظ من الثقافة الفلسفية أو الصوفية أو الاثنين معا، فحاولوا أن يفهموا «التوحيد» فهما جديدا، أو على الأقل أن يلقوا عليه ضوءا جديدا استمدوه من ثقافتهم من ناحية، ومن تجاربهم الروحية من ناحية أخرى. فناقشوا المقصود بالتوحيد على وجه التحديد، وتكلموا عن أنواع مختلفة من التوحيد: توحيد العوام وتوحيد الخواص وتوحيد خاصة الخاصة، كما تكلموا عن توحيد الذات وتوحيد الصفات وتوحيد الأفعال الإلهية، بل تكلم بعضهم عن توحيد الحق (الله) للحق وتوحيد الحق للخلق، وتوحيد الخلق للحق، وغير ذلك مما لم يخطر لأهل السلف على بال.
لذلك نجد في تاريخ الإسلام الديني نوعا من التطور في مفهوم «التوحيد»، وهو تطور قضت به طبيعة تطور التفكير الإسلامي والظروف الاجتماعية والثقافية التي مر بها المسلمون، وإن لم يكن ذلك التطور على وفاق تام دائما مع العقيدة الأولى التي نص عليها القرآن في بساطة ووضوح، وكذلك نجد مبالغة شديدة في تحليل مفهوم التوحيد وفي النظر إلى مستلزماته الميتافيزيقية والصوفية كادت أن تخرجه من ميدان العقيدة إلى ميدان المذهب الفلسفي أو «الثيوسوفي».
ومن الغريب حقا أن مبالغة بعض مفكري الإسلام في تحليل التوحيد والدفاع عنه، وتحليقهم عاليا في سماء التجريد، كما فعل المعتزلة والفلاسفة الإسلاميون، أو غوصهم بعيدا في أعماق التجربة الروحية طلبا للتوحيد كما فعل بعض الصوفية، قد أدى بهم - أو كاد يؤدي بهم - إلى إحلال صورة مبدأ مجرد (هو أشبه «بالمطلق» عند الفلاسفة) محل الله الخالق الفاعل المريد العالم المعبود كما تصوره الأديان. فقد جردوا الله من صفاته الإيجابية، أو قالوا بهذه الصفات وعطلوها، وهذا هو الاتجاه الذي اتجهه المعتزلة وبعض فلاسفة المسلمين كابن سينا، وعلى أمثال هؤلاء يرد أبو الحسن البوشنجي (المتوفى سنة 348) في الشق الثاني في قوله: «التوحيد أن تعلم أنه (أي الله) غير مشبه للذوات ولا منفي لصفات»،
8
صفحة غير معروفة