التصوف: الثورة الروحية في الإسلام

أبو العلا عفيفي ت. 1385 هجري
177

التصوف: الثورة الروحية في الإسلام

تصانيف

وهكذا نرى «الولاية» تتحول من معناها القرآني الذي هو النصرة والحماية اللتان يمنحهما الله عباده المؤمنين والمتقين والمقربين إليه إطلاقا، إلى نصرة وحماية طائفة خاصة لها شروط وعلامات، وبعد أن كانت حقا مشاعا لجميع المسلمين أصبحت قاصرة على نفر تنتقل إليهم انتقالا وراثيا من النبي، ثم من علي وبنيه.

فكأن الولاية - بهذا المعنى - امتدادا للنبوة ومقصورة على الأئمة، ولما وجد الشيعة أن هؤلاء الأئمة المعصومين بحاجة إلى إثبات ولايتهم، قالوا إن ذلك يتم بظهور الخوارق على أيديهم، وأن هذه الخوارق لهم دون غيرهم.

ولا شك أن الشيعة أيضا هم الذين قرنوا الولاية بالاستشهاد متخذين من مقتل الحسين بن علي مثالا للولي الشهيد الذي ضحى بحياته في سبيل نصرة الحق والله، على نحو ما ينظر المسيحيون إلى استشهاد المسيح. فإن دخلت فكرة الاستشهاد في بعض أقوال الصوفية فعن طريق الشيعة في أغلب الظن، وإن كان الاستشهاد في الجهاد في سبيل الله من الأمور التي ذكرها القرآن وأثنى على أصحابها، قال تعالى:

ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون .

2

ولما جاء دور الصوفية، كان من الطبيعي أن تتسرب إلى أوساطهم أفكار الشيعة عن الولاية، لا سيما وأن التصوف والتشيع نبتا وترعرعا زمنا طويلا في بيئة واحدة هي البيئة العراقية والفارسية. غير أن الصوفية لم يقفوا بالولاية عند الحدود التي رسمها الشيعة، بل تجاوزوا هذه الحدود وتوسعوا في معنى الولاية في عصورهم المتأخرة، وخاضوا في مسائل لم يخض فيها الشيعة ولم تخطر لهم ببال، فتكلموا عن معنى الولي إطلاقا لا الولي الإمام، وذكروا صفات الأولياء ووظائفهم ومراتبهم وقارنوا بين الولاية والنبوة وناقشوا أيهما أفضل، كما تكلموا في ختم الولاية وغير ذلك من المسائل التي سنعرض لها. (1) الولي والصوفي

أخص صفات الولي في الإسلام القرب من الله، وفي القرآن شواهد تدل على أن الله اختص بعض عباده بالقرب منه، وبهذا المعنى العام يدخل الأنبياء في الأولياء، كما يدخل فيهم الصوفية وغير الصوفية؛ لأن صفة القرب من الله حظ مشترك بين هؤلاء جميعا، وكذلك اختصاص الله الأولياء بالحفظ أو العصمة أو ما شابههما من الصفات. بل إن السراج صاحب اللمع ليذهب إلى أن «خاصة أهل الله»، وهو وصف أطلقه الصوفية على أنفسهم، ينطبق أولا على الأنبياء الذين اختصهم الله بالوحي والرسالة والعصمة من الزلل، وينطبق ثانيا على الأولياء الذين اختصهم بصدق الورع والتعلق بالحقائق.

ولكن جمهور الصوفية يطلقون اسم «الولي» على الصوفي الذي حصل في مقام القرب من الله بفضل قداسته وورعه وفنائه في محبة ربه، ويعتبرون الولاية والنبوة مرتبتين مختلفتين مستقلتين إلى حد أن يمكن المفاضلة بينهما كما سيأتي بيانه، وإذا قالوا إن الصوفية خاصة المسلمين والأولياء خاصة الصوفية، فمعنى هذا أن الأولياء خاصة المسلمين، وأن الولاية أعلى مرتبة روحانية يصل إليها المسلم.

ولا تقترن الولاية في الإسلام السني بمعنى من معاني الألوهية، فلا يدعي الولي أن فيه جانبا إلهيا على سبيل الفيض أو الحلول أو ما شاكلهما، وإن كان يدعي أو يدعى له، أن الله أودع فيه قوة أو صفة خارقة تعصمه - بدنا وروحا - من أن يأتي بمعصية، وهذه هي القوة التي تفسر ما يعتقده الصوفية من أن الولي في استطاعته إتيان الكرامات والأخبار بالمغيبات، وأنه مستجاب الدعوة، صادق الفراسة، قادر على تسخير قوى الطبيعة، تحل بركته أينما وضعها، وتتحقق لعنته حيثما أرسلها، واستجابة الدعوة قديمة في الإسلام: قيل إن سعد بن أبي وقاص اختص من بين الصحابة بقبول دعائه، وروي عن النبي

صلى الله عليه وسلم

صفحة غير معروفة