10 •••
فمحبة الله إذن في نظر هؤلاء الصوفية أمر مشروع ممكن، بل أمر واقع محقق ، ولكنها حال ذوقية كسائر أحوال الصوفية لا نستطيع لها شرحا ولا تفسيرا ولا نملك لها تعبيرا، هي حال تجل عن الوصف وتلطف عن العبارة كما يقول القشيري «ولكنها تحمل العبد على التعظيم لله وإيثار رضاه، وقلة الصبر عنه والاهتياج إليه، وعدم القرار من دونه، ووجود الاستئناس بدوام ذكره.»
11
ولم يكن التحول من إنكار الحب الإلهي إلى الاعتراف به في دوائر الفقهاء والصوفية سريعا ولا مفاجئا، بل ظلت المسألة معلقة زمنا، مترددة بين الأخذ والرد، حتى قبل الفقهاء نوعا من الحب لا يتجه إلى موضوع الشخص، بل إلى فكرة أو مثال يرمز إليه بموضوع محسوس، وكان هذا النوع من الحب أشبه شيء بالحب العذري. فلما اعترف الفقهاء به، التمس فيه الصوفية تأييدا لمذهبهم في الحب الإلهي، وعن هذا الطريق - فيما أعتقد - اعترف الفقهاء وأوائل الصوفية على السواء بإمكان الحب الإلهي المجرد عن التشخيص والتجسيم.
نعم قد يرمز الصوفية للمحبوب الإلهي بموضوعات مشخصة مجسمة ترد أسماؤها في قصائدهم، بل قد ينشدون في محافلهم قصائد من صميم الغزل الإنساني، ويلحظون فيها معاني ومغازي إلهية، ولكن هذا ليس إلا من قبيل الرمز والإشارة إلى معان تسمو على التصريح والتعبير، وإلى هذا المعنى يشير قائلهم بقوله:
أسميك لبنى في نسيبي تارة
وآونة سعدى وآونة ليلى
حذارا من الواشين أن يفطنوا بنا
وإلا فمن لبنى فديت ومن ليلى؟
12
صفحة غير معروفة