============================================================
شدة صيحته، فيحسبوه ميتأ. وكان - رحمه الله تعالى- يهم بعد ذلك بالخروج من بغداد، فيسمع هاتفا أن ارجع إلى الناس فإن فيك منفعة: وهذا ما يفسر إقبال الخلق الكثير الذين يحضرون دروسه، ويتوبون عليه، والخلق الكثير من النصارى واليهود الذين أسلموا على يديه(1).
قال أبو الثناء النهرملكي : تحدثنا أن الذباب ما يقع على الشيخ عبد القادر.
فأتيته، فالتفت إلي، وقال : أيش يعمل عندي الذباب، لا ديس الدنيا، ولا عسل الآخرة().
غرف الشيخ - رحمه الله تعالى - بالايمان الراسخ، وعقيدة التوحيد السليمة، فلم تغره الدنيا ، ولم ينظر إلى زخرفها، ورأى أن الأسباب إنما هي بيد المسبب عز وجل، وليست الأسباب بيد الخلق من الأغنياء والآمراء والمتنفذين ، يضرب على ذلك مثلا في تحقير هؤلاء الخلق : اجعل الخليقة أجمع كرجل كتفه سلطان عظيم ملكه ، شديد آمره، مهولة صولته وسطوته، ثم جعل الغل في رقبته مع رجليه، ثم صلبه على شجرة الأرز على شاطىء نهر عظيم موجه، فسيح عرضه، عميق غوره، شديد جريه، ثم جلس السلطان على كرسي عظيم قدره، عالية سماؤه، بعيد مرامه ووصوله، وترك إلى جنبه أحمالا من السهام والرماح والتبل وأنواع السلاح والقسيي تما لا ييلغ قدرها غيره، فجعل يرمي إلى المصلوب بما شاء من ذلك السلاح، فهل يحسن لمن رأى ذلك أن يترك التظر إلى السلطان، ويترك الخوف منه والرجاء له ، ويخاف من المصلوب ويرجو منه ؟ أليس من فعل ذلك يسمى في قضية العقل عديم العقل ومجنوتا، بهمة غير إنسان(2) ا.
كان - رحمه الله تعالى - سريع الدمعة، شديد الخشية، كثير [الورع]، مجاب (1) شذرات الذهب في أخبار من ذهب : لابن العماد الحبلي، ج606/4 بتصرف.
(2) سير أعلام البلاء : للذهبى، ج:448/6 (3) فتوح الغيب : للجيلاثي، المقالة السابعة عشرة 22
صفحة ٢٢