بل هم خيرهم على الاطلاق. أكثرهم يحفظون القرآن الكريم ويجيدون تجويده بالقراءة الصحيحة، واليهم يأتي أهل بلاد العراق برسم تعلم ذلك.
وكان في القافلة التي وصلنا فيها جماعة من الناس أتوا برسم تجويد القرآن على من بها من الشيوخ. وبها مدرسة عظيمة حافلة فيها نحو ثلاث مائة خلوة ينزلها الغرباء القادمون لتعلم القرآن، عمّرها الشيخ تقي الدين بن عبد المحسن الواسطي، وهو من كبار أهلها وفقهائها، ويعطي لكل متعلم بها كسوة في السنة ويجري له نفقته في كل يوم، ويقعد هو وأخوانه وأصحابه لتعليم القرآن بالمدينة. وقد لقيته وأضافني وزوّدني تمرا ودراهم» «٥٥» .
وجاء القرن التاسع للهجرة على واسط، وهي كما وصفها ابن الوردي، بقوله: «هي مدينتان على جانبي دجلة، وبينهما قنطرة كبيرة مصنوعة على جسر من سفن يعبر عليها من جانب الى جانب. فالغربية تسمّى كسكرا، والشرقية تسمّى واسط العراق. وهما في الحسن والعمارة سواء وهما من أعمر بلاد العراق، وعليهما معوّل ولاة بغداد» «٥٦» .
لقد حلّ بمدينة واسط محن كثيرة، وكان آخر عهدها بتلك المحن، الغارة الشعواء التي شنّها عليها محمد المشعشع في شوال سنة ٨٤٤ هـ (١٤٤١ م) للاستيلاء عليها. ولكنه لم ينل منها مأربا. ثم هاجمها من بعده ابنه علي بن محمد المشعشع، فقاومه أهلها دون جدوى، فاستولى عليها بعد أن أصابها الدمار. وجلا كثير من أهلها عنها وانحدروا الى البصرة. وهكذا خربت واسط الحجاج.
ثم قامت على أنقاضها وقريب منها، واسط الثانية. ذلك ان الواسطيين بعد مقتل علي، أخذوا يتراجعون الى ديارهم السابقة، فأسسوا واسطا الثانية تحت الأولى بمسافة هيّنة وفي غربيها. ولم يكن لواسط الثانية هذه شأن كبير، كما انها لم تعش أكثر من قرنين.
1 / 26