لقد كانت مدينة واسط، منذ تأسيسها، ذات شطرين يفصل بينهما نهر دجلة: شطر شرقي وشطر غربي. فقد كان مجرى دجلة القديم يمرّ بواسط.
والشطر الشرقي من واسط، وهو أقدمهما، كان فيه قبل مجيء الحجاج، على ما ذكر اليعقوبي «٤٢»، بلدة ساسانية يسكنها الفرس والنبط وهم الآراميون. وكانت تدعى «كسكر» التي عرفت في المصادر الآرامية باسم «كشكر» بالشين المعجمة. واستحدث الحجاج بلدته قبالتها على شاطىء دجلة الغربي، وأسكن فيها العرب وحدهم في بادئ الأمر. وبعد وفاة الحجاج سمح لغيرهم من الأقوام بالسكنى فيها. فاختلط العجم والعرب بمرور الزمن. واتّحد الشطران الشرقي والغربي شيئا فشيئا، حتى أصبحا مدينة واحدة.
وتنبىء المراجع التاريخية، ان الحجاج هدم لعمارة مدينته، كثيرا من المدن والقرى المكتنفة بها، ونقل أخشابها وأبوابها، حتى ضج أهل تلك النواحي واحتجوا على ما جرى. فلم يلتفت الى قولهم. وقد نقل الحجاج الى مدينته خمسة أبواب من مدينة الزندورد والدوقرة ودير ما سرجيس وسرابيط وغيرها من الأمكنة في أنحاء واسط «٤٣» .
واحتضن الجانب الغربي من واسط، عمارات ذات شأن. ففيه شيد الحجاج مبانيه العظيمة. فعلى مسافة ما من دجلة، كان يقوم قصره «٤٤» الذي اشتهر بقبته الخضراء. وكانت مساحة القصر أربعمائة ذراع في مثلها «٤٥» .
وللقصر أربعة أبواب، كل منها يفضي الى طريق عرضها ثمانون ذراعا «٤٦» .
ولعل تلك القبة الخضراء كانت في وسط القصر، وهي ولا شك أبرز مبانيه.
1 / 23