ثم ورد أمر سلطاني للعزيز بالزيادة في إكرام المترجم وتزويج ابنته بمن يختاره من رجاله وتجهيزها على نفقة الدولة (وكان هذا الأمر مقرونا بالأمر بتزويج السيدة فاطمة خانم بنت حسين باشا والي الجزائر؛ لأن هذه الأسرة هاجرت إلى مصر بعد استيلاء الفرنسيين على الجزائر، فأنزلها العزيز بقصر ولده إبراهيم باشا بالإسكندرية)، فصدع بالأمر ووقع اختياره على محمد تيمور كاشف، ولكن أباها مات قبل زفافها، فأمر العزيز بدفنه بالقلعة بجوار المقام المنسوب لسيدي سارية. (4) إسماعيل تيمور باشا (الكبير)
ابن محمد تيمور كاشف، ولد في الساعة التاسعة من يوم 7 ذي الحجة سنة 1230 كما قيده والده على ظهر نسخة من قصيدة البردة كان يقيد عليها تواريخ من يولد له، ولقبه يوم ولادته برشدي، ولكن لقب الأسرة غلب عليه، وعرف قديما في الحكومة بتيمور زاده؛ أي ابن تيمور.
نشأ في بلهنية من العيش، ومال من صغره إلى الاشتغال بالعلوم والآداب؛ فتأدب في العربية والعلوم الإسلامية على من اختارهم له والده من المؤدبين، وتخرج في التركية والفارسية على عبد الرحمن سامي باشا (الذي صار بعد ذلك من وزراء الدولة العثمانية ومات سنة 1298؛ أي بعد وفاة تلميذه بنحو تسع سنوات)، وأتقن أنواع الخط على «إبراهيم أفندي مؤنس» أبي محمد أفندي مؤنس الشهير، وبرع في الإنشاء التركي براعة لم يدانه فيها أحد من أقرانه، فأعجب به العزيز محمد علي واتخذه كاتبا خاصا يعرض عليه ما يحتاج للعرض من الأوراق، ويبلغ أوامره فيها إلى رؤساء الديوان، ثم جعله وكيلا لمديرية الشرقية فمديرا لبعض مديريات كان آخرها الغربية أكبر ولايات القطر، ولكنه كان مع هذا شديد الكلف بالقاهرة والعود إلى مناصب الديوان، وقد عز سبيلها عليه حتى عزم العزيز على التجوال في بلاده للإشراف على أعمالها فترقب حلوله بطندتا قاعدة مديريته، وكان مع العزيز صهره كامل باشا الشاعر المشهور فكاشفه المترجم بمراده واستنجد بصداقته لوالده؛ فكان منه أن نظم أبياتا تركية تشبه الموشح ضمنها قصة مضحكة يفهم منها الغرض، ثم أنشدها العزيز في وقت آنس منه فيه تبسطا وانشراحا، فضحك منها وعلم ما في نفس المترجم، فأمر بنقله إلى الديوان.
ثم حدث ما حدث من تخلي العزيز محمد علي عن الحكم، وتولي ولده إبراهيم باشا، فرأى تزايد المشاكل وتراكم القضايا على الجمعية (الجمعية الحقانية) التي كانت أنشئت سنة 1258 كمجلس عال للأحكام، فأمر بتأليف مجلس آخر سماه «الجمعية الحقانية الثانية» وجعل المترجم رئيسا له. وهاك ما جاء بصدده في الوقائع المصرية بعدد يوم الاثنين 26 ذي القعدة سنة 1264:
لما كان الجناب الداوري ملتزما براحة العباد، وكان جل قصده فصل القضايا وحل ما يقع من المشاكل والدعاوى واستحصال جميع راحة الخلق؛ حصل تنظيم مجلس في مصر المحروسة معنون بجمعية الحقانية الثانية، وجعل رئيسه حضرة إسماعيل بيك تيمور زاده؛ وأعضاؤه كل من: إبراهيم أفندي رأفت القائمقام الذي كان وكيل ديوان المدارس، وحسن أفندي كامي القائمقام وكيل ديوان الجفالك سابقا، ومحمد أفندي سعيد البيكباشي الذي كان ناظر قلم القضايا بديوان المالية، وحسن أفندي سري البيكباشي الذي كان وكيل جفالك الشرقية، وواحد من الأفندية الذين حصلوا فن الإدارة الملكية.
ثم رقي بعد ولاية عباس باشا إلى وكالة «ديوان كتخدا» وهو أكبر ديوان إذ ذاك، ورئيسه المعبر عنه بالكتخدا أو الأفندي أو مأمور الديوان الخديو أكبر رجال الحكومة بعد الوالي، وله الإشراف على كافة فروعها؛ فهو يشبه رئيس النظار (رئيس الوزراء الآن).
ثم عزل عن وكالة الديوان بوشاية بعض مناظريه، وبقي أياما في داره ريثما تبين للوالي كذب الواشي، فدعاه وأظهر له الرضاء وأقامه ناظرا على خاصته المسماة ب «الدائرة الآصفية» فقبلها، وإن تكن دون منصبه الأول، وبقي فيها إلى وفاة عباس باشا.
وفي ولاية سعيد باشا ولاه رئاسة ديوانه سنة 1275 وهي المعبر عن متوليها ب «ديوان أفندي»، وهنأه شاعر الأسرة السعيدية الشيخ مصطفى سلامة النجاري بقصيدة طويلة مطلعها:
سعود الدهر جاء بكل قصد
ووافى بالمنى من غير وعد
صفحة غير معروفة