إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله (سورة التوبة: آية 37).
وأجل شعائر الحج: الإحرام وخلع المخيط والوقوف في عرفة في اليوم التاسع من ذي الحجة، وعرفة أرض منبسطة محاطة بجبال يقف فيها الناس يصلون ويكبرون ويدعون الله سبحانه ويستغفرونه، ويخطبهم رئيس الموسم فيعلن ما يريد إعلانه، وينسئ إذا أراد النسيء،
34
ثم يفيض الناس من عرفات إلى المزدلفة، ويظلون هناك إلى الفجر، ثم يفيضون إلى منى، وهاتان الإفاضتان قد أبقاهما الإسلام، وكان الحمس يرون لأنفسهم امتيازا على سائر الحجاج فلا يفيضون من حيث أفاض الناس، ويكتفون بالوقوف بمزدلفة، وقد حرم الإسلام ذلك، وأمرهم بالإفاضة من حيث أفاض الناس (سورة البقرة: آية 198-199).
ومن التقاليد الجاهلية التي أقرها الإسلام؛ رمي الجمرات بالحصى في منى بعد الإفاضة من عرفات والمشعر الحرام، والجمرات هي ثلاثة أمكنة: الجمرة الأولى، والجمرة الوسطى، وجمرة العقبة، ويجب على الحاج أن يرميها في ثلاثة أيام، ففي كل يوم سبع حصي، ثم ينصرف من مكة إلى منى، وسبب ذلك فيما نقلوا: أن إبراهيم - عليه السلام - فعله ليرمي الشيطان الذي جاء ليشوشه على المناسك.
ومن أجل مناسك الحج: الطواف حول الكعبة في أوقات متعددة؛ منها طواف القدوم أو التحية - والواجب على كل قادم إلى مكة أن يطوف حولها طواف التحية سواء أكان في موسم الحج أو غيره، ويسمى طواف غير الموسم «العمرة» - ومنها: الطواف قبل الوقوف بعرفة، ثم الطواف بعد ذلك، وهو دوران الحاج سبعة أشواط حول الكعبة يبدأ كل شوط من ركن الحجر الأسود، فيستلم الحجر ثم يطوف بها، و«الحجر» هو حجر من النوع الصواني اللامع، تذكر العرب أنه نزل من السماء، وإذا أتم المرء أداء المناسك المشار إليها تحلل من إحرامه بذبح هديه إلى الله تعالى، ثم يقص شعره، ويلبس المخيط، وأقر الإسلام ذلك كله.
ومن تقاليد الحج: «الطواف» بين الصفا والمروة، وهما هضبتان قريبتان من الكعبة تبتعدان عن بعضهما نحو أربعمائة متر، وكان للجاهليين عندها أصنام يقربون لها القرابين عندهما، وقد أبقى الإسلام هذا الطواف، وعده من شعائر الله.
ومن تقاليد الحج: «إهداء» البدن والهدي إلى الله، ومن تقاليده: «تحريم الصيد» حالة الإحرام، وتحريم القتال في الأشهر الحرم، وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، والأشهر الثلاثة الأخيرة هي أوقات الحج، وأما رجب فهو شهر مقدس عندهم، واسمه مشتق من الترجيب؛ أي من التقديس، وقد كان لهم فيه عيد يحتفلون به، وكانت مضر أكثر العرب احتفالا به حتى سمي «رجب مضر»، وقد أقر الإسلام هذه التقاليد، وحفظ لهذه الأشهر حرمتها.
وأرى قبل أن أنتقل من الكلام عن الحج أن أبين بإيجاز طقوس الحج الإسلامي؛ ليتبين القارئ هل كانت ثمة فروق بين الحج في الجاهلية والحج في الإسلام، قال المسلمون: إن الحج واجب في العمر مرة على كل مسلم أو مسلمة حر بالغ صحيح مالك للنصاب، وله فروض وواجبات وآداب؛ أما فروضه، فهي: الإحرام والوقوف بعرفة وطواف الزيارة، وأما واجباته: فالوقوف بمزدلفة والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار وطواف الصدر والحلق، وأما آدابه فما عدا ذلك. وكل من يريد الحج عليه بالإحرام؛ وهو دخول الحرم المكي في الموسم، ولبس إزار ورداء طاهرين غير مخيطين، وأن يتقي الرفث والفسوق والجدال وقتل الصيد والتطيب وقلم الأظفار وقص الشعر، ويكثر التلبية وإذا دخل مكة كبر وهلل واستقبل الحجر الأسود واستلمه ثم طاف طواف التحية، ثم يصعد نحو الصفا ويدعو ربه، ثم يسعى نحو المروة فيصعدها ويدعو بفعل ذلك سبع مرات، ثم يسكن بمكة محرما، ثم يطوف بالبيت نفلا متى شاء، وفي ثامن ذي الحجة يخرج إلى منى فيمكث إلى فجر يوم عرفة، ثم يذهب إلى عرفة في اليوم التاسع، وعند الغروب يأتي المزدلفة، فإذا أسفر الصبح أتى منى ورمى جمرة العقبة بسبع حصوات، وكبر لكل حصاة، ثم حلق شعره، وحل له كل شيء إلا النساء، ثم يطوف طواف الصدر فطواف الزيارة بعد طلوع فجر يوم النحر، وبه تحل له النساء، ثم يأتي منى ويرمي الجمرات الثلاث بسبع حصوات بعد زوال ثاني يوم من أيام النحر، ثم يأتي مكة فيطوف طواف الوداع، وهكذا ينتهي.
فأنت ترى أن الإسلام قد أبقى على كثير من التقاليد التي كان العرب يفعلونها قبل الإسلام، وذلك مما توارثوه عن أبيهم إسماعيل، كما أنه ألغى ما اخترعوه مما لا أصل ديني له.
صفحة غير معروفة