وأبواب هذا الجامع أيضا من النحاس الأصفر، منقوش عليها تماثيل قديمة من عهد بانيه، وسقفه لم يزل عليه آثار من الصور التي بينها صورة المسيح وصورة الملك قسطنطين، ومن داخله مائة وسبعون عمودا جميلا من الحجر السماقي والرخام، وعلى كل منها تاج قد زاغ عن أصله الهندسي لكثرة ما حصل فيه من التغيير الكثير، ويظن أن هيكلا عظيما كان هناك فهدم، وعلى دائره ممشى يصعد عليه بسلم حلزونية عجيبة، وفوق المنبر مرفوع سنجق السلطان محمد الفاتح، أما الآن فقد تبدلت هيئتها القديمة، ولم يبق منها إلا أثر بعد عين، وكانت جدران قباب هذا الجامع مع ما يليها مزدانة بالنقوش المذهبة، ولما نظرها السلطان محمد الفاتح أمر بأن تغشى بالأجير حتى لا تشاهد، ولكن في عهد حضرة السلطان عبد المجيد خان نزع عنها الكلس وترمم ما فقد من هذا الجامع حتى عاد إلى رونقه الأول، واليوم عاد داخله مزينا حسبما ذكرنا.
ثم إن كثيرا من المائة والسبعين عمودا المذكورة قد جلب من هيكل الشمس في بعلبك، ومن هيكلي الشمس والقمر في هالي بولي «مدينة قديمة في مصر»، ومن هيكل مدينة ديانا المشهور في أفسس، ومن أثينا ومن جزائر بحر الروم. أما جامع السلطان سليمان العظيم الملقب بالسليمانية، فهو أجمل ما يكون في القسطنطينية، قد بني في أواسط الجيل السادس عشر، وتم بناؤه سنة 1556ب.م، وهو أعظم من جامع أجيا صوفيا في بنيته. أما الجوامع المشيدة وتحسب في الطرز الثاني بالنظر إلى الكبر والعظم، فهي جامع السلطان أحمد ومحمد الثاني آخر من فتح مدينة القسطنطينية كما مر آنفا، وأحسن الحمامات المذكورة في القسطنطينية: حمام أجيا صوفيا، وحمام محمود باشا، وحمام بيازيد، وحمام تحت القلعة، ومن الساحات في هذه المدينة ساحة تدعى ساحة آت ميدان، وهي أكبر ساحة داخل المدينة مربعة مشهورة عند المتقدمين والمتأخرين في القسطنطينية معدة لسباق الخيل وترويضها ومباراة المركبات أو الكروسات، طولها تسعمائة قدم وعرضها أربعمائة وخمسون قدما، وضمن هذه الساحة الآن مسلة بناء أو عمود هرمي من حجر الصوان أو الحجر المصري، وهو مربع بقطعة واحدة، وأتي بها قديما من مدينة ثيبس، وهي مدينة من أعظم وأشهر قصبات مصر القديمة قاعدة مملكة الفراعنة ملوك مصر أيام امتداد سطوتهم بقاياها تفوت كبرها وعظمها وصف الواصف، وهذه المسلة المذكورة قد بناها ثاودوسيوس الكبير أحد ملوك الرومانيين، والمراد بالمسلة هنا: عمود طويل ذو أربعة جوانب بيضي أو مخروط الشكل مقطوع من رأسه على هيئة هرم مسطح بقطعة واحدة عليه كتابات وأرقام وتأشيرات مقتضاها مآثر جليلة وذكر حسن طاهر. وهي من تحريرات كهنة مصر القدماء مقصود فيها وصف أشخاص أو أشباح، وهم الرجال العظام الذين اشتهروا في غزواتهم، وفي الساحة المذكورة العمود المتعطل لقسطنطين الملك وينسب إليه معرى ومنزوعا عنه تمثاله النحاس المصبوب صب رمل من عمل الأتراك في أول ما اغتنموا وأخذوا المدينة، وبين المسلة وعمود قسطنطين - المار ذكرهما - عمود آخر من نحاس أصفر سباردي على شكل حبل ملفوف، ويسمى عمود الحية؛ لأن عليه ثلاث حيات عظيمة متشابكة بعضها مع بعض، وقيل قد قطعت رءوسها لعارض أصابها، وأن اليونانيين أقاموا هذا العمود رصدا؛ لتنفير الأفاعي كما جرت العادة عندهم في بعض الخرافات، وكانت هذه الحيات الثلاث في أول الأمر حاملة الكرسي المصنوع من ذهب في هيكل مدينة «دلفي» على ثلاث قوائم، كان يجلس عليها في الأزمنة القديمة الكاهن وأحد العرافين أو المنجمين؛ ليتلقوا الوحي من الوثن أو الإله عندهم جوابا على ما يسألونه من أمر مهم، أو عن أنباء بالمستقبل، أو عن فوزهم في الحرب والقتال، أو انغلابهم على ما يقتضيه معتقد الوثنيين.
وكان يجلس على هذه الكرسي - كما كان في أعصر الوثنيين القديمة - عدد معلوم من النساء، وقال بعض المؤرخين إنهن عشر نساء فقط، وقيل إنهن كن يخبرن بروح النبوة، وكن يسكن في عدة أقسام مختلفة من بلاد العجم واليونان وإيطاليا، وإنهن كتبن بعض النبوات بالشعر المنظوم على ورق الأشجار. أما دلفي: فهي بلد من بلاد اليونان القديمة، وفي قسم آت ميدان أيضا من الجهة الشرقية الباب العالي، وهناك الديوان حيث يجلس الصدر الأعظم ورجال الدولة المأمورون بإدارة مهام المملكة، وفيه مكان مخصوص لجلوس الحضرة الملكية في بعض الأحيان، وبالقرب منه أيضا السراية المعروفة بطوب قبو سراي، وهي السراية القديمة التي جددها السلطان محمد الفاتح المنفصلة عن المدينة بسور متين، ولها ثمانية أبواب، بعضها في جهة المدينة وبعضها من جهة البحر، وهي كبلد صغيرة، ورسمها على شكل له ثلاث زوايا، ومحيطها أو إطارها ثلاثة أميال، وطولها نحو ستة آلاف ذراع، وهي مبنية على مركز وقاعدة البزنتيوم؛ أي القسطنطينية القديمة، وفي الجملة إنها تعد من السرايات الشهيرة العظيمة، يحيطها جنينة فسيحة فيها الأشجار الباسقة في الجو على انتساق وانتظام، وبينها طائفة من الوحش، وفي جهة البحر قصر كلخانه الذي نهجت فيه التنظيمات الخيرية، وعلى أطرافها الباب العالي الذي يدعى باب همايون المنسوب إليه دار الملك، وهذا الباب مدخل للسراية الخارجة المباح للجميع أن يدخلوا إليها، وهو رتاج أو باب عظيم عال جدا، وقوسه على شكل نصف دائرة، تغشاها الكتابات العربية، وقائم عليه خمسون بوابا خفراء، وعلى حد جوانب طريق الباب كان هرم يدعى هرم الجماجم، وربما نقل الآن من هناك أو هدم، وكان عليه جماجم أو رءوس أولئك المجرمين في المملكة والمعترفين بمنكراتهم وجرائمهم الفظيعة جهارا، وعلى كل جمجمة عنوان يدل على ماهية الذنب الذي بسببه حكم على صاحبها بالقتل، وعلى أطراف هذه السراية ساحة رحيبة فيها بناء يشتمل على قبة قديمة بناها الملك قسطنطين الكبير، وهناك دار الأسلحة الملكية القديمة حيثما يوجد فيها أنواع الأسلحة القديمة والتحف النادرة الوجود هناك، وأنواع أخر من السلاح معلقة على الترتيب في البيوت من دروع وزرديات وسيوف ورماح وآلات إطلاق البارود وما شاكل ذلك من أدوات الحرب القديمة، وهناك أربعة أشخاص من الخشب غائصين بالملابس الحديدية التي كانوا يلبسونها قديما؛ أحدهم بزي الشراكسة، والثاني بزي أهل الفلاخ، والثالث بزي الانكشارية، والرابع بزي العسكر العثماني القديم. ثم أخرى فيها الديوان الكبير وأمامه سماط من شجر السرو على صفين ينتهي إلى قاعة الديوان المشيدة من الرخام المزدان بالنقوش الذهبية.
وفي ما يليها دار أخرى فيها محل كرسي الحضرة الشاهانية تحت قبة عالية من حجر الرخام، وعلى جانبها سراية الحرم المحترم، وهناك حمام السلطان سليم الثاني، فيه اثنان وثلاثون حجرة، ومن هناك تنظر الخزينة الملكية ومحل المسكوكات ودار الكتب الكبيرة الهمايونية وباب المالية والأوقاف. أما الجنات المختصة بالسراية المذكورة فهي أنيقة جدا، بحيث لا يمكن للإنسان أن يتخيل أجمل منها، وفيها أشجار متنوعة عليها من كل فاكهة زوجان، فكأنها جنة تجري من تحتها الأنهار، ومن مستطيل أغصانها ما يتدلى على جوانب المماشي البديعة، ناهيك بما يزيدها رونقا من الينابيع المنبجسة من الرخام؛ وكل ذلك واقع موقعا يشغل الناظر ويجلب لب العاقل على إحدى السبعة تلال المبنية عليها القسطنطينية. أما زخرفة السراية العثمانية، فلا يكاد يفضلها شيء في الجمال والحسن، لا سيما ما يختص بالذات الشاهانية. أما حجرة أو مضجع عظمته، فإن فيه منتهى التأنق والتحسين، فهي مغشاة بالقماش الصيني الفاخر، وأرضها مفروشة بالطنافس الثمينة من حرير وذهب والتخت من فضة والكانوبا والوسادات والأفرشة السفلى وملاءات اللحاف كلها وثائر منسوجة من قماش ذهبي.
أما الخدم والحشم المقامين لخدمة ذاته الملكية فإنهم جمع وفير جدا، منهم من يستمر ليلا في السراية. أما المأمورون بسياسة الخيل في الأخورات، أي الإسطبلات وإصلاح الجنات؛ فإنهم من أهل الرتبة العالية ما عدا الخفراء والخدام وحشم حضرات حرمه الشريف المحترم، وهناك عمود أيضا يقال له شنبرلي طاش أسطواني الشكل، وهو من الآثار القديمة، وبالقرب من آت ميدان نفق تحت الأرض باق من الأبنية القديمة يقال له «بيك برديراك»، أعني ألف عامود وعمود، وهذا من الأشياء الخليقة بالمشاهدة لما فيه من الأعمدة العظيمة، وهذا المحل قيسارية قديمة يدعونها أيضا قيسارية ألف عمود وعمود، وهي طبقتان مركبة على أعمدة غليظة من الحجر والآن ليس لها اعتبار هناك، وأكثر أعمدتها صارت مطمورة بالتراب وبالقرب من هذه القيسارية ما يحسب في جملة الأشياء والمناظر الأصلية المعتبرة القديمة الباقية من القرون الخالية في القسطنطينية، وهو العمود المحروق في سوق أدريانويل، وهي السوق الأصلية في المدينة، وسمي العمود المحروق؛ لكونه تسود بسبب حرائق البيوت الكبيرة التي كانت تتواتر في القسطنطينية، وهو عمود غليظ طويل من الحجر الرملي عليه تماثيل أشخاص وكتابات قديمة، قيل إن قوما من الإسرائيليين اشتروه قديما من أحد الملوك العثمانيين لظنهم أنه مصنوع، أو كما يقولون مطبوخ من معادن ذهبية توهما بكثرة لمعانه، ثم أحرقوه ليستخرجوا ما فيه من الذهب، فذهب تعبهم على غير طائل، وتخلخل حتى كاد يسقط فتداركته الأتراك بأطواق حديدية، ولم يزل قائما حتى الآن؛ ولذلك يقال له العمود المحرق، ولعل تسميته الأولى حسبما ذكر هي الأصح وعليها المعول، وفي القسطنطينية أيضا آثار أبنية قديمة باقية من المملكة القديمة؛ أي الشرقية، ومدافن عدا التي ذكرناها، وباني هذا العمود ومنشئه كان الملك قسطنطين الكبير، وكان علوه أولا مائة وعشرين قدما، وكان فوقه صورة أو تمثال أبولو من نحاس سكب رمل، وهذا التمثال بمثابة رجل عظيم البنية مثل الجبار أو العفريت أو أحد العمالقة، وقيل إن صانعه فيدياس، ولما حدثت الزلزلة في القسطنطينية سنة 1150ب.م تعطل وسقط مع ثلاثة أجسام غيره ثقيلة عظيمة، وباق من علوه الآن تسعون قدما فقط، ويستفاد من التاريخ حدوث زلزلة في القسطنطينية سنة 1063ب.م بقيت أربعين يوما. أما تأويل أبولو وفيدياس المذكورين، فهو أن أبولو كان إلها عند اليونانيين، وكان الرومانيون يعبدونه، ويدعون - أو يزعمون - أنه الشمس التي هي مصدر الحرارة والنور، وأن هذا الإله إنما هو الصدر المتولي صنعة الرمي بالقوس وأمر النبوة وصناعة الطب وفن الموسيقى، وهو رئيس وحامي أو حافظ الإلاهات التسع الأخوات اللات منهن - كما يزعمون - الرئيسات وهن يتولين الفنون العقلية.
وأما فيدياس، فهو عند اليونان القدماء نقاش أو حفار يوناني، كان أعظم بشر عندهم في صنعة النقش والحفر ورسم التماثيل والصور، قد مات سنة 432ق.م. ثم إن القسطنطينية كثيرة المياه الجارية إليها في قناتين، بناهما الملك هادريان والملك قسطنطين، طولهما تسعة أو عشرة أميال تأتي فيهما مياه المدينة، وبالتقريب إن في كل سوق وجامع وبيانسا مناهل رائقة تبعد عن المدينة بنحو خمس أو ست ساعات متجمعة من مياه المطر في واد له حائط في أسفله تنحصر المياه يقال له بنودة، وعددها سبع ولها منفذ تخرج منه وتجري إلى المدينة بواسطة الأقنية المذكورة إلى موضع يدعى التقسيم أو قاعة الحوض، بناه الملك جوستنيان، أو بني في أيامه، طوله ثلاثمائة وست وثلاثون قدما، وعرضه مائة واثنان وثمانون قدما، وهذه البناية قائمة على ثلاثمائة وستة وثلاثين عمودا من الرخام، ومن ثم تتوزع هذه المياه بقنوات عديدة من الحجر على الجوامع والسرايات والمناهل والبيوت، ولها قناطر عظيمة جديرة بالمشاهدة باقية من أيام السلطان سليمان، وعلى قول المؤرخين ظنا أن قنوات الماء في القسطنطينية قد بناها فالانس، وهو أحد ملوك الرومانيين، وهي تأتي بماء عذب جديد، ومن إحدى هذه القنوات القناة المدعوة المعوج؛ لكونها على شكل مستدير، أي له تعريجات قصيرة من شأنها أن تعيق جريان الماء، ولها من القناطر ثلاثة صفوف محكمة البناء وهناك أيضا مياه غزيرة غير هذه، إلا أنها سافلة عن المدينة لا يمكن جرها إلى القنوات، وليس بالقرب منها جبال يتأتى نفاذ المياه منها إليها. أما معنى «البياتسا» المذكورة هنا، فهو أسطوانة أو ساحة مربعة فسيحة محاطة بالقناطر والأعمدة، مغشاة بالصور والنقوش والذهب على أسلوب رائق بديع، ثم وفي جملة الإنشاءات أو الأبنية الأكثر اعتبارا في القسطنطينية الخانات المشاعة الكافية لأن يسكن في كل منها من الخمسين إلى الألف نفس، قد بنتها الحكومة السنية؛ لغاية أن ينزل فيها المسافرون من التجار الذين يقيمون فيها مجانا ما بقوا في المدينة، وكان لكل منهم مطلق الحرية في منزله، والمراد من هذا العمل الجليل جلب السلع والبضاعة من كل أقسام العالم، ولا فرق في المذاهب بهذا الخصوص وبناء الحجر على طبقات عديدة عالية وحولها ساحة فسيحة مدخلها من أبواب حديدية، وأما الفنادق الشهيرة الكبيرة التي فيها مخازن التجارة، فهي سنبلي خان ووالدة خان وبلطجي خان وبيوك بالدرخان وسلطان أوضه لروكوشك خان ووزير خان وتحت القلعة وغيرها. ثم إن كل الأبنية العمومية في القسطنطينية متوجة ومزينة بالقباب والأبراج. أما الأماكن المخصصة للعبادة فإن فوقها قبابا ومآذن في أواخرها الهلال، أي علامة العلم العثماني مموها بالذهب.
أما الديار والمحلات الخارجة عن المدينة فهي جميلة جدا، وكان يسكن محل المسكوكات ومخزن الأسلحة - أي الترسخانة والحبس - مماليك الذات الشاهانية، فالمماليك كانت وجاق أو دولة من سلاطين مصر أصلهم من الجراكسة، والتتر الذين اغتصبوا كرسي الملك في مصر سنة 1249ب.م ودامت دولتهم إلى سنة 1516ب.م يوم تغلب عليهم وفتح البلاد السلطان سليم الأول. أما أسواق القسطنطينية، فهي في حكم أسواق الشام ومصر، لكنها عظيمة وأكبر منها وغالبا تراها غاصة بالخواتين والجواري، حتى يتعذر المرور بين موكب حافل أنيق جدا كأنه في الأوبيرا، والأوبيرا: هو محل للغناء والرقص مفروش بالمفارش الفاخرة، وأشهر هذه الأسواق سوق البازستان، وهو مبني بالحجارة، وله أبواب لا تفتح إلا في أوقات معلومة من النهار، وفيه أقدم تجار المسلمين وأغناهم، وفيه تباع الأسلحة الثمينة والملابس الفاخرة والتحف النفيسة، ويلاصق هذا السوق عدة أسواق شهيرة، وهي قلبقجي چارشوسي؛ أعني سوق القلبقجية، وهي في غاية ما يكون من الحسن والاتساق، تشتمل على نحو مائتي حانوت في الجانبين.
وفي الوسط مخزن متقن جدا، قد أعد فيه قبلا كرسي عظيم لجلوس الحضرة الشاهانية في بعض الأيام، وأوزون جارشو: وهو سوق طويلة يباع فيها جميع البضائع والأقمشة الإفرنجية والشرقية. أما اللغات في القسطنطينية، فمختلفة من تركية ورومية وعبرانية وأرمنية وعربية وفارسية ومسكوبية وبوهمية وهنكارية وبولاندازية ونمساوية وبروسيانية وهولاندازية وفرنسوية وإنكليزية وإيطاليانية، وكلها تسمع غالبا في سوق واحد. أما لبس نساء الأتراك حينما يخرجن من المدينة، فغطاؤهن ضاف من الرأس إلى القدم، وفسطان أو إزار جوخ أخضر واسع محلول، وأحيانا بخلاف لون، وفوق الفسطان خمار، وقد يتفاخرن جدا، ويرغبن في لبس الحلي كالجواهر والدرر والفرو الثمين ... إلى غير ذلك، على أن ملابس الخواتين أو السيدات في القسطنطينية من الأتراك أيضا، هي غاية في الظرف والكياسة، وأعناقهن تزدان بالعقود الدر المنظومة من الدر الكبير، وفي الجملة إن لبسهن يظهر بكثرة المجوهرات - كما ذكرنا قبلا. ثم إن أهل القسطنطينية يشربون القهوة في كل وقت من النهار، ويحسبونها دواء لوعكات المزاج وعلاجا للعوارض في الجسم، وأفضل المكيفات والتلهيات عندهم إنما هو التدخين، وأول من أدخله إلى القسطنطينية أهالي هولاندا سنة 1605ب.م، وحاصل القول أن القسطنطينية من أحسن مدن العالم موقعا كما قال الشاعر المجيد والناثر الفريد الحبر الفهامة المرحوم بطرس أفندي كرامة، مادحا إياها:
مذ جئت إسلامبول شمت محاسنا
دعت المحاسن كلهن إلى ورا
صفحة غير معروفة