وكان صف العدو الثاني يشغل مركزا هائلا على بعد ثلاثة آلاف أو ثلاثة آلاف وخمسمائة قدم؛ إذ إن البرزخ ضيق جدا هناك، وهو مقوى بالمتاريس بعناية كبيرة، ومحصن بثلاثين زورقا مدفعيا، وكان العدو مستوليا أمام هذا المركز على قرية أبو قير التي سدها بالمتاريس.
أقدم القائد مورات على اغتصاب القرية، وهجم القائد لان على ميسرة العدو بالفرقة الثانية والعشرين وقسم من التاسعة والستين، وأما الميمنة فقد قاتلها القائد فوجيير بصفوف ملصقة بعضها إزاء بعض، كان الدفاع والقتال شديدين جدا، إلا أن خيالة القائد مورات الباسلة عزمت أن تنال القسم الأكبر من شرف هذا النهار، فهجمت على ميسرة العدو ووثبت على الميمنة من ورائها وفاجأتها من ممر مشئوم فأعملت فيها ذبحا هائلا.
كان من أمر الصف الثاني أن أصيب بما أصيب به الصف الأول؛ فإنه بقي بعضه في ساحة القتال وأغرق البعض الآخر.
بقي للعدو ثلاثة آلاف رجل لوقت الحاجة وضعوا في قلعة أبو قير على بعد ألفين وأربعمائة قدم من الصف الثاني، فحاصر القائد لانوس القلعة وأطلق عليها قنابل ستة مدافع، لم ينج من الأعداء أحد قط.
إن مصطفى باشا، قائد الجيش العام، وابن عم السفير التركي في باريس، قد أسر مع جميع ضباطه.
وربح هذه المعركة عائد خاصة إلى القائد مورات؛ إني أسألكم رتبة قائد فرقة لهذا القائد النشيط لأن خيالته عملت المستحيل ...
لقد أهديت إلى القائد برتيه من قبل المجلس التنفيذي خنجرا جميل الصنع لما قام به من الأعمال المجيدة طوال وقت الموقعة ...»
استفاد نابوليون من هذا النجاح ليرسل مداولا إلى الأميرال الإنكليزي، إلا أن هذا بعث إليه بجريدة فرنسية، فقرأها نابوليون بلهف؛ لأنه لم يأخذ منذ زمن طويل خبرا عن أوروبا، فوقف منها على موقف فرنسا المحزن ونكبات الجيوش الفرنسية، فصرخ قائلا: «أجل إن دلالة قلبي لم تخدعني قط، فقد خسرت إيطاليا! وتوارت ثمرة انتصاراتنا! إذن فيجب أن أرحل.»
أفضى بعزمه هذا إلى برتيه والأميرال غانتوم الذي عهد إليه بتهيئة باخرتين وسفينتين صغيرتين لإقلال القائد وحاشيته إلى فرنسا.
كان من الواجب أن تسلم قيادة الجيش العامة إلى الأيدي الأكثر جدارة، فاختار بونابرت بين دوزه وكليبر، إلا أنه رغب في أن يصحب الأول معه وصحت عزيمته على تعيين الآخر خلفا له بالرغم مما هما عليه من النفور، فكتب ليطلعه على قصده ويسلمه السلطة التي عهد بها إليه، جاء في التعليمات التي أدلى بها هذه العبارة: «سيبقى المسيحيون أصدقاءنا دائما، فيجب أن تمنعوهم من التطاول لئلا يغذي الأتراك فطرة التعصب ضدنا.»
صفحة غير معروفة