كان بونابرت يفهم حق الفهم العصر الذي كان من واجبه أن يعالج فيه سلطة الذكاء ليسحر المجموع، وبما أنه كان يرغب في أن يظهر بشكل ساطع وبقدوته الخاصة أن الرقي العالمي الذي بشرت به الفلاسفة وهتفت له الشعوب إنما يناط بخضوع السيف لسلطة الفنون المهذبة، وقوة التجارة والعلوم، عمد - وهو الأول بين المحاربين في أعظم أمة حربية في العالم - إلى وضع مقامه العسكري العظيم بعد مقامه البسيط كعضو في مجلس علمي، فكتب في مقدمة رسائله ونشراته الرسمية هذه الكلمات: «بونابرت، عضو مجلس العلماء الوطني.»
رسا الأسطول أمام الإسكندرية في الأول من شهر تموز، كان نلسون قبل يومين في ذلك المكان، إلا أنه استغرب عدم التقائه بالحملة الفرنسية فقدر أنها اتجهت إلى شواطئ سوريا لتبحر منها إلى إسكندرونة، أما بونابرت، الذي أشعر بظهور الأميرال الإنكليزي وتوقع عودته القريبة، فقد عزم على تتميم إبحار جيشه بأسرع ما يكون، إلا أن الأميرال بروه، الذي كان يرى محذورا في ذلك، مانع تتميم الإبحار بكل قواه، فأصر نابوليون وخاطب بروه الذي كان قد طلب مهلة اثنتي عشرة ساعة قائلا: «أيها الأميرال إن الوقت ضيق لدينا فيجب ألا نتردد، ثم إن الحظ لا يهبنا إلا ثلاثة أيام لا غير فإذا لم نستفد منها فقدنا كل شيء.» فلم يجد الأميرال بدا من الإذعان لحسن حظ أسطوله؛ إذ إن نلسون، الذي لم يجده في النواحي التي بحث عنه فيها، لم يتردد أن عاد إلى الإسكندرية، إلا أن الوقت كان قد فات، فإصرار بونابرت وحدة مزاجه كانا قد أنقذا الجيش الفرنسي الذي كان جميعه على اليابسة.
أبحر الأسطول إلى مرعبو، التي هي على مسافة ثلاثة فراسخ من الإسكندرية في الليل الذي بين اليوم الأول والثاني من تموز ، في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، ثم زحف الجيش بعد ذلك إلى تلك المدينة واضطر أن يتسلق جدرانها، أما كليبر، الذي كان يدير القتال، فقد جرح في رأسه، لم يكلف هذا الفتح إلا جهودا قليلة، ولم يحدث في الإسكندرية من النهب والقتل شيء قط.
عندما وضع بونابرت قدمه على الأرض، كتب إلى باشا مصر هذه الرسالة الآتية: «إن المجلس التنفيذي في الجمهورية الفرنسية قد خاطب الباب العالي مرارا عديدة ليسأله معاقبة بكوات مصر الذين يرهقون التجار الفرنسيين بالظلم، إلا أن الباب العالي قد صرح أن البكوات، وهم قوم طماع يذهبون في مذاهب هواهم، يصغون إلى شرائع العدالة، ولم يكتف فقط بأن لا يمنع الإهانات التي يلحقها هؤلاء الفرنسيين أصدقاءهم القدماء، حتى عمد إلى تجريدهم من حمايته.
إذن فالجمهورية الفرنسية قد عزمت على إرسال جيش عظيم ليضع حدا لمظالم بكوات مصر، كما صنعت مرارا عديدة مع بكوات تونس والجزائر في هذا العصر.
أما وأنت سيد البكوات المطاع، وأما وهم ينهجون في القاهرة من غير سلطة ونظام، فيجب عليك أن تنظر إلى وصولي نظرة مستحسن فرح.
إنك ولا شك تعرف كل المعرفة أنني لا أقصد في مجيئي القيام بعمل يحط من قدر القرآن والسلطان، وتعرف أن الأمة الفرنسية هي السلطان الوحيد في أوروبا.
إذن فتعال إلى ملاقاتي، والعن معي نسل البكوات الجاحد.»
عندما دخل نابوليون إلى الإسكندرية أسرع بنشر نداء على السكان، وهذا هو:
بونابرت، عضو مجلس العلماء الوطني، قائد عام للجيش الفرنسي
صفحة غير معروفة