لما تناهت إلى نابوليون استعدادات ممالك الشمال أعلنها إلى خلفائه في معاهدة الرين. وفي الواحد والعشرين من شهر أيلول سنة 1806 كتب إلى ملك البافيير ليطلعه على تجهيز بروسيا للحرب ويطلب النصيب الموعود به في اتفاقية 12 تموز، وبعد مرور ثلاثة أيام غادر سن كلود وزحف إلى ألمانيا تصحبه جوزيفين. وفي الثامن والعشرين منه وصل إلى مايانس حيث افترق عن الإمبراطورة. وفي الثلاثين منه استلم عهد منتخب ورتزبورج بالانضمام إلى معاهدة الرين، وعبر هذا النهر في الواحد من شهر تشرين الأول. وفي السادس منه كان معسكره في ينبرج، فأصدر منه نداء إلى جيشه يطلعه فيه على موقف العدو، قال: «أيها الجنود، إن صراخ الحرب قد سمع من برلين، وها قد مضى شهران ونحن نتلقى كل يوم خبرا جديدا.
منذ أربع عشرة سنة قادت الأحزاب الشرسة البروسيين إلى وسط سهول شمبانية حيث لقوا الانكسار والموت والعار ...
فلنزحف إذن ... وليلق الجيش البروسي ما لقيه منذ أربع عشرة سنة، وليعلم أنه إن كان من السهل اكتساب العظمة والقوة مع محبة الشعب الكبير فإن بغضه الذي لا يهيج إلا بمثله إنما هو أشد هولا من عواصف البحار!»
إن من السهل أن يلاحظ أن الإمبراطور إنما هو أكثر حماسا عندما يخرج السنن الثورية من قبرها منه عندما يستدعي الذكريات الدينية والملكية من ظلمات القديسة جنفياف وسن دنيس.
على أن نابوليون دخل في الموقعة وسينقض على أعدائه من غير أن يعلم «فيم يقاتل وماذا يريدون منه.» في السابع من شهر تشرين الأول كتب من ينبرج إلى مجلس الشيوخ المحافظ يقول: «إننا نعتمد على معاضدة الشرائع والشعوب التي تدعوها الظروف إلى اختيارات جديدة عن غيرتها وشجاعتها في حرب عادلة لا نتقلد فيها السلاح إلا للدفاع عن حياضنا.»
لقد بينا نحن الحقيقة الصريحة بمناسبة الحروب السابقة، ولقد تراءى لنا أن نابوليون، منذ وضع التاج الإمبراطوري على رأسه، إنما خشي أن يعترف بأن الملوك سيشهرون عليه فيما بعد حرب مبادئ.
أرسل تالليران من مايانس إلى نابوليون، في اليوم نفسه الذي أرسل فيه هذا كتابه إلى مجلس الشيوخ، ساعيا يحمل إليه كتابا من ملك بروسيا، ضمنه هذا الأمير جميع الشكاوى العمومية التي ما فتئ أعداء الثورة منذ خمسة عشر عاما يحدثونها - تحت أشكال مختلفة - ضد فرنسا. لم يستطع الإمبراطور أن يكمل قراءة الكتاب المتضمن عشرين صفحة والتفت إلى الأشخاص المتألبين حوله وقال لهم: «إنني أشفق على أخي ملك بروسيا؛ فإنه لا يفقه الفرنسية، وإخاله لم يقرأ هذه القطعة الركيكة.» وبما أن كتاب الملك كان مصحوبا بحاشية السيد ده كنوبلسدروف المشهورة، التفت الإمبراطور إلى برتيه واستطرد قائلا: «مرشال، إنهم يضربون لنا ميعاد شرف في الثامن من هذا الشهر، وإن الفرنسيين لا يتخلفون عن ميعاد، ولكن بما أنهم يقولون إن هناك ملكة جميلة ترغب في مشاهدة القتال فلنكن لطفاء متأدبين، ولنزحف إلى سكس من غير أن ننام.»
كان نابوليون يشير إلى ملكة بروسيا التي كانت في الجيش مرتدية لباس خيالة وحاملة على كتفيها شارة فرقتها الرسمية، والتي كانت كل يوم تكتب عشرين كتابا - كما جاء في المذكرة الأولى - لتهيج الحريق في جميع الجهات.
بر الإمبراطور بكلامه، ففي الثامن من تشرين الأول الساعة الثالثة صباحا ترك بنبرج فعبر غاب فرانكوني، وفي التاسع منه حضر بدء المعركة في شليز. استولى المرشال برنادوت على هذه القرية بعد أن قاتل عشرة آلاف من البروسيين الذين أسر القسم الأكبر منهم.
وفي العاشر منه، حصلت موقعة أخرى في سآلفد، كان الفوز فيها حليف الجناح الأيسر من الجيش الفرنسي الذي يقوده المرشال لان. كانت نتيجة هذه الموقعة تشتت صفوف الأمير هوهنلوه، التي يقودها الأمير لويس ده بروس، الذي بقي في ساحة القتال. كان هذا الأمير مكتسبا محبة الجيش، وكان يرغب رغبة شديدة في أن يعيد إليه مجده القديم إلا أن جرأته لم تلبث أن أودت بحياته؛ فإنه شهر القتال على قوات أكثر عددا من فرقته لكيلا يترك بين يدي عدوه المركز الذي عهد به إليه، وبعد مقاومة شديدة تشتتت فرقته، فشرع يعالج جمع الهاربين ليعاود القتال وما هي إلا طرفة عين حتى أدركه قائد من قواد الهوسار، يدعى كنده، وأمره بأن يسلم سيفه فأبى الأمير ووقف موقف الدفاع، عند هذا عالجه القائد بطعنة قتالة نفذت من ظهره إلى بطنه.
صفحة غير معروفة