ومن العجب أن نظرية النشوء الهندية تماثل نظرية التطور، ذلك أن «يراهما» معدود أنه كائن خالد قائم بنفسه، يبين نفسه للعالم تدريجا بأشياء مادية من الأثير والماء والنار والأرض والعناصر، وهو يشمل روح العالم.
أما فلاسفة اليونان الطبيعيون الأقدمون من أمثال ثيلز وأنا كسيماندر وأنكسيمنز، فيذهبون إلى أن الأرض شيء طبيعي وتغييراتها طبيعية وإلى أنه ليس للقوة الإلهية دخل فيها، وأنها أشكال منوعة لمادة واحدة أصلية أو قل إنها قد نشأت شكلا مؤلفا من العناصر العديدة.
هذا وقد حاول الكثيرون معالجة هذا الموضوع في العصور اليونانية والمسيحية والقرون الوسطى، وممن عرض له من علماء الإسلام الفارابي وابن سينا، ولعل فلاسفة اليونان القديمة كانوا أول من عالج البحث في فلسفة التطور، فقد أشار إليه أو تحدث عنه أناكسيماندر وإمبدوكليس وزينوفينيس وأرسطو ولوكريتس. فقد ذهب زينوفينيس إلى أن ما رآه من بقايا الأحافير الحيوانية المتحجرة يدل على وجود حيوان قديم قد انقرض، الأمر الذي ينبغي أن يحمل على دراسة أصلها وحياتها عوضا عن النظريات والمنطقيات.
ثم جاء «لوكريتس» الفيلسوف الشاعر، فذهب إلى أن غريزة الافتراس عند الضواري هي التي أعدت لها أسباب البقاء في جميع الأجواء والأوساط، وأما الحيوان الأليف فقد أبقاه حاجة الإنسان إليه، وأن الأجناس تتعاقب ولا يبقى إلا أقواها. (1-1) فلسفة سقراط
وثمة أشياء تتصل بالتطور في فلسفة «سقراط» الذي ولد في سنة 470 قبل الميلاد، ونشأ على ما كان يشب عليه الأثينيون من تلقي الموسيقى وتعلم الألعاب الرياضية، ودرس على السفسطائيين متعلما التنجيم والهندسة والفلسفة واللهجات. غير أنه لما ضاق ذرعا بمذاهب السفسطائيين ونظرياتهم، آثر أن يدرس التصورات والتأملات والقضايا المنطقية التي تدور حول الوقائع بدلا من دراسة الوقائع ذاتها. وقد امتاز بمتابعته تحليل كل ما يقنع به هو الناس أن يقوله، وبالصبر وبشجاعته حين كان جنديا. وقد آثر أن لا يشتغل بالسياسة، آبيا أن يسوغ محاكمة بعض القواد وأن ينفذ الأمر الصادر باعتقال الأبرياء.
ويعتقد هذا الفيلسوف أنه تلقى رسالة من الله، وأنه يبحث عن رجل أكثر حكمة وأن غايته هي أن ينهض بمواطنيه. ولما حوكم، لما عزي إليه من إفساد الشبيبة والأدلاء بآراء دينية شاذة وبإغفال آلهة أثينا أبى أن يدافع عنه أحد، ومضى يخطب قضاته خطبة كانت مثالا للبساطة. فقد أوضح فيها حياته مبينا أن ما أصابه من الاضطهاد والمحاكمة إنما يرجع إلى الحقد السياسي. ولما صدر الحكم عليه بالموت طلب حكام أثينا إليه أن يقترح عقابا آخر بديلا من الموت، طبقا لما كانت تجري به العادة من سؤال المحكوم عليهم أن يقترحوا عقوبة أخرى، فأبى أن يقترح شيئا وانتهى الأمر بأن سجن أياما ثم شرب كأس السم ومات.
وعند «سقراط» أن الفضيلة هي المعرفة وأن الرذيلة هي الجهل، ومن ثم كانت الطيبة الصادقة هي التي تستند إلى المعرفة التامة بالطبيعة ومواهب الروح الإنسانية. وعلى هذا كان الرجل الشجاع هو الذي يعرف ما ينبغي وما لا ينبغي خشيته. (1-2) التطور في فلسفة أرسطو
ولد «أرسطو» في استاجيرا المقدونية في سنة 384ق.م وتوفي في سنة 322ق.م، وقد احترف الطب في مفتتح حياته العملية وله فيه كتاب يسمى «الصحة والمرض»، ثم التحق بأستاذه «أفلاطون » ولبث معه عشرين سنة في أثينا. غير أنه بينما كانت فلسفة «أفلاطون» تقوم على التصورات المستندة إلى الأفكار والتأملات؛ أعني على التفكير العقلي والمنطق، فإن فلسفة «أرسطو» يبدو أنها تقوم على المشاهدات والمحسوسات التي قوامها التجارب والمقارنات.
هذا وقد اختار «فيليب» ملك مقدونيا «أرسطو» مربيا لابنه «الإسكندر»، الذي كان يساعد أستاذه بالمال والرجال في جلب عجائب الحيوان والنبات لدراسة طبائعها. وقد استنتج أرسطو من دراستها أن ثم خطا وراثيا متصل الحلقات، فهو يصل بين (البوليب) ذلك الحيوان البحري الرقيق وبين الإنسان. ومن حكم (أرسطو) أن الفرق بين العالم والجاهل كالفرق بين الحي والميت، وأن الأمل حلم اليقظان، وأن لا فضيلة إلا في التوسط. وكان يقول: لنحفظ حب سقراط وأفلاطون، ولكن لنحب الحقيقة أكثر منهما.
هذا وقد شارك (أرسطو) في جميع العلوم والمعارف لعهده، ويعد واضع أساس علوم النفس والطبيعة والأعضاء، والممهد لنظرية التطور بكتابه (تاريخ الحيوان). ومن كتبه (أورجانون) في علم المنطق، و(علم الأخلاق) و(علم السياسة). وقد نقل الفيلسوف العربي (ابن رشد) المتوفى في سنة 595 هجرية فلسفة أرسطو الملقب بالمعلم الأول، إلى العالم وأوروبا. (1-3) أقوال أخرى للفلاسفة
صفحة غير معروفة