والأشغال التي يمكن مباشرتها لتبقى دواما ترعة الإسكندرية صالحة للملاحة لا يمكن إتمامها في سنة واحدة، بل من المستطاع تدبيرها بكيفية تجعلها من السنة الأولى لمباشرتها تأتي بفوائد جمة، وهكذا يستطاع في سنة واحدة بقاء الملاحة سهلة مدة ثلاثة أشهر من السنة التالية لبدء العمل، ويكفي لإنجاز هذه العملية مبلغ قدره (260000) مائتان وستون ألف فرنك، (1002950 قرشا) وإليك الكيفية التي بها يمكن الحصول على هذه النتيجة.
إن قياس المناسيب الذي عمل في الثمانية فراسخ الأولى (32000 متر) من الترعة دل على أن انحدارها شديد للغاية في هذا الجزء لدرجة أنه لم يعد يوجد بعدها انحدار في باقي مجراها، وهذا الانحدار الجسيم ناجم من رواسب الطمي السنوي التي تزداد جسامة قرب الرحمانية أكثر مما تزداد قرب الإسكندرية، وإذن يكتفى بمباشرة الأشغال أولا في الثمانية فراسخ الأولى (32000 متر)، وذلك بحفر مترين ونصف عند مدخل الترعة وبتقليل العمق تقليلا يتناسب مع المسافة التي يكون الإنسان عندها من المدخل بحيث يجد عند نهاية الثمانية فراسخ قاع الترعة القديم، وإنجاز هذه العملية بعرض عشرة أمتار يستلزم رفع 468000 متر مكعب. وإذا أضيف إلى ذلك 132000 متر مكعب عن الأشغال التي تتطلبها بعض أجزاء الترعة لا سيما الجزء الواقع بجوار بحيرة أبي قير يكون المجموع 600000 متر مكعب يقدر تطهير المتر الواحد منها بمبلغ 12 ميدي (12 بارة أو 3 مليمات) بما في ذلك جميع النفقات، وتقدر بما يقل قليلا عن 260000 فرنك (1002950 قرشا).
أما الوقت اللازم لإتمام هذه العملية فهي لا تتطلب أكثر من 150 يوما، إذ في الإمكان حشد 2700 (ألفين وسبعمائة) عامل حيث يمكن للمزارعين أن يحصلوا على 150 يوما في السنة، وذلك في الفترتين المحصورتين بين البذار والحصاد وبين الحصاد والفيضان.
ونحن لا نزج بأنفسنا في جميع التفاصيل الخاصة بالاتجاه الجديد الذي يلزم أن تتخذه بعض أجزاء الترعة لجعل الملاحة أكثر سهولة، ولكن نلاحظ فقط أنه لما كان مجرى الترعة العمومي يتجه تقريبا من الشرق إلى الغرب بينما الريح تهب في معظم الأوقات من الشمال إلى الجنوب، فيلزم العمل على أن لا يكون أي اعوجاج من هذه الاعوجاجات في هذا الاتجاه الأخير حتى يمكن طلوع ونزول المراكب في جميع فصول السنة، أما مدخل ومصب الترعة فهذان يلزم أن تتخذ فيهما تغيرات لا بد منها، وهاك بيانها:
إن التغيرات التي يلزم إجراؤها في المدخل هي وضعه قرب طابية الرحمانية، فهذا الموضع الذي يحتفظ في أوقات التحاريق بماء عمقه أكثر من ثلاثة أمتار يستطيع بقليل من العمل أن يصير ميناء فسيحا وحسنا، وهو واقع بجوار جزيرة صالحة جدا لإقامة المخازن الضرورية لمثل هذه الملاحة.
والعوائق التي يجب اجتنابها بعناية تامة في الطريق الجديد الذي يراد إعداده للتجارة هي وسق المراكب والمخازن المختلفة، وهذا الأمر الذي كثيرا ما يكون سببا في التأخيرات يستدعي تشييد محال للجمارك، وبالتالي تحصيل رسوم على البضائع، وإذن يجب أن تتصل ترعة الإسكندرية بالبحر حتى لا يكون هنالك احتياج لنقل البضاعة المجلوبة بطريق الترعة برا.
ولكن قبل أن ندل على موضع الميناء الذي يكون فيه - على ما يلوح - من المناسب أن تنتهي الترعة نعيد على الذاكرة أنه لما ضم الإسكندر جزيرة المنار إلى الأرض اليابسة، وجعل بهذه الكيفية ميناءين للإسكندرية شعر الناس بضرورة اتصالهما حتى تستطيع المراكب أن تخرج في كل الفصول تقريبا، فترك لهذا الغرض فتحتين في الهبناستاديم
Hepnastadium ، وهاتان الفتحتان تكونتا في نفس الوقت الذي اتسع فيه عرض الهبناستاديم من جراء رواسب المياه، بحيث حلت المدينة الحديثة كما هو معلوم محل السد القديم.
وبما أن ضرورة اتصال الميناءين ببعضهما لم تزل كما كانت في تلك العصور القديمة، فمن رأينا أنه لو عمل قطع متسع يصل الواحدة بالأخرى، لدعت الحالة لجعل نهاية ترعة الإسكندرية في هذا القطع بكيفية تجعلها خاصة بالميناءين على السواء، وأن تخترق المدينة الحديثة بالطول، واستمرار وجود مياه النيل بالإسكندرية يصبح أمرا ضروريا جدا لو فرض أن عدد السكان زاد زيادة كبرى؛ لأن كمية المياه التي يمكن أن تسعها جميع صهاريج المدينة لا تستطيع أن تكفي على أكثر تقدير عدد سكانها في الوقت الحاضر إلا مدة سنة ونصف.
وهذا الفم الجديد المفتوح على النهر يضعف على وجه التحقيق كثيرا فرع رشيد الذي تختلط ماؤه في فصل الصيف بماء البحر الملح في مرحة أربعة أو خمسة فراسخ (16000 أو 20000 متر) فوق مصبه، ولكن عدا أنه في حكم الاستطاعة تكثير جريان مياه النيل في كل الأوقات، وذلك بتضييق مصباته في البحر، وأنه قد يمكن دواما التحكم في مياه الترعة بألا يعطى شيء منها إلا المقدار الكافي للضرورات والاحتياجات الصحية، فإقامة سد (هويس) عند منتصف طولها وآخر عند نهايته في الميناء يكفيان لعدم ضياع الماء سدى.
صفحة غير معروفة