التاريخ الإسلامي: مقدمة قصيرة جدا

آدم جيه سيلفرستاين ت. 1450 هجري
35

التاريخ الإسلامي: مقدمة قصيرة جدا

تصانيف

اتحدت الأهمية السياسية والدينية للتاريخ الإسلامي - مقرونتين بالأفكار الوليدة عن القومية والهوية والتاريخ التي جلبت إلى العالم الإسلامي من الغرب في القرن التاسع عشر - لتوجد روايات «عرقية» متمايزة. بعض هذه الروايات استعمل التاريخ الإسلامي بصورة مباشرة، بينما حرف البعض الآخر رسالته وقصته المتوارثة. وهكذا تكون القراءة العراقية «القومية» للتاريخ الإسلامي التي روج لها أثناء الحرب العراقية الإيرانية - والتي ساهمت عن قصد في تأليب الأبطال العرب ضد الأوغاد الفرس - مدينة لمنهج تبناه القوميون العرب والفرس والأتراك تجاه التاريخ قبل ثمانينيات القرن العشرين بوقت طويل.

يروى عن محمد أنه قال: «حب الوطن من الإيمان.» لكن الواقع أن ولاء المرء لوطنه كثيرا ما يتعارض مع ولائه للأمة. من ناحية، تبنت الحركات القومية أفكارا «إسلامية»؛ فالقوميون العرب مثلا قرروا عدم الانتماء إلى «شعب» عربي بل إلى «أمة» عربية. من الناحية الأخرى، تطلب التشكيل الواعي لهويات جديدة تسخير التاريخ نفسه لخدمة أحد الشعوب؛ وخصوصا بين الشعوب التي لعب التاريخ دورا تشكيليا في تحديد مكانها في العالم. ومن ثم، أعاد القوميون تفسير التاريخ الإسلامي كي يلائم الروايات الجديدة والأغراض السياسية الجديدة بدلا من التخلي عنه كلية.

بسبب تضارب المصالح المحتمل بين القومية والهوية الإسلامية، ولأن العرب والفرس والأتراك الذين روجوا للحركات القومية كانوا في العادة مسلمين علمانيين أو غير مسلمين على الإطلاق، استبدلت بالنسخ الإسلامية القديمة من التاريخ وجهات نظر تاريخية تجاوزت حدود الدين؛ فمصادر الإلهام والفخر الوطني التمست في الرموز الإسلامية، وأيضا في رموز ما قبل العصر الإسلامي الذين ربما تكون سمعتهم مطعون فيها في المصادر القديمة. وعلى هذا النحو، أصبح نبوخذ نصر والفراعنة المصريون أبطالا عربا وليسوا أوغادا من موحدي الشرق الأدنى؛ وتتبع الأتراك في تباه نسبهم إلى شعوب قديمة (غير موحدة) مثل الحيثيين والسومريين؛ واسترد اللبنانيون تراثهم الفينيقي (حقيقة كان أو خيالا)؛ وتذكر الفلسطينيون أنهم ينحدرون من سلالة الكنعانيين (وهو ما مكنهم بلا عناء من الدفاع عن أحقيتهم في الأرض المقدسة قبل الإسرائيليين).

لم يقتصر الأمر على تعظيم القوميين للشخصيات التاريخية غير الإسلامية (بل والمعادية للإسلام)، لكن التاريخ الإسلامي نفسه انعكس عبر عدسات جديدة. فالقوميون العرب على سبيل المثال مجدوا عن وعي «الجاهلية». وبالمثل، رد بعض مؤيدي الوحدة العربية الاعتبار إلى الخلفاء الأمويين الذين سجل التاريخ الإسلامي انعدام تقواهم واستيلاءهم على منصب الخلافة وفقا للباحثين في العصر العباسي ومن اعتمدوا عليهم. ووفقا لأحد الباحثين السوريين الذين كتبوا في الأربعينيات من القرن العشرين، كانت دمشق في عهد الأمويين:

موطن الملوك والخلفاء ... أهم عاصمة للعالم القديم، ومقر الحضارة والثقافة، والمركز الإداري لإمبراطورية عظمى وجيش عظيم. [كان عهد الأمويين] حينما تلاقى الشعر، والأدب والفن، وقيادة الفكر، والعلم، والحرب، والإدارة على ضفاف أنهارها الصغيرة، وحينما كانت دمشق هي العالم والعالم هو دمشق.

قد لا يرى المسلمون التقليديون هذه النسخة من التاريخ مقبولة، لكن نوع الاستخدامات السياسية التي يوضع من أجلها التاريخ في هذه الحالة ينبغي أن يكون أكثر شيوعا لديهم.

التاريخ الإسلامي والمجتمعات الغربية

من الواضح أن للتاريخ الإسلامي أهمية دينية وسياسية مباشرة للمسلمين في كل مكان، سواء أكانوا من أهل السنة أم سلفيين إسلاميين، أم سلفيين معاصرين، أم شيعة أم غيرهم. في العقود الحديثة، كانت هناك أيضا محاولات (من قبل أهل الغرب والمسلمين أيضا) لمشاركة بعض دروس التاريخ الإسلامي مع غير المسلمين في الغرب من أجل خدمة أجندات سياسية.

أفضل مثال على هذا الاتجاه الأسطورة والأسطورة المضادة للعصر الذهبي الإسباني. تقول الرواية إن المسلمين والمسيحيين واليهود عاشوا في الأندلس تحت الحكم الإسلامي في مدينة فاضلة تجمع بين مختلف الأديان وازدهروا في ظل الحماية المستقرة للحكم الإسلامي. استخدمت هذه الفكرة من قبل الباحثين اليهود الألمان الذين عرضوها في نهاية القرن التاسع عشر من أجل توبيخ زملائهم المحليين - الذين يفترض أنهم مثقفون - على عدم منحهم اليهود الألمان المستوى نفسه من المساواة الذي أتاحه (حتى) المسلمون قبل العصر الحديث. ومؤخرا، استخدمت فكرة العصر الذهبي الإسباني من قبل الإسلاميين ومعادي الصهيونية ليقولوا إن الصراع الحالي في المنطقة سببه تأسيس دولة إسرائيل، موضحين أن المسلمين واليهود عاشوا جنبا إلى جنب سابقا في سلام ووئام، وأن الحركة الصهيونية هي التي كدرت هذا الوضع الإيجابي. يرى معادو الصهيونية أنه لا بد من تفكيك إسرائيل حتى يمكن استعادة الوئام إلى المنطقة؛ أما الإسلاميون فيرون ضرورة أن يحيا غير المسلمين كافة تحت حكم إسلامي، لأنه لا يمكن لجميع الأديان أن تعيش في سلام إلا تحت مظلة الإسلام.

أثارت هذه الرواية بشأن العصر الذهبي الإسباني رد فعل على نفس الدرجة من السطحية من قبل أولئك الذين أوجدوا أسطورة مضادة (وهم في الأغلب يهود طردوا من الأراضي الإسلامية في الماضي)؛ وتقول تلك الأسطورة المضادة إن اليهود والمسيحيين كانوا دائما يتعرضون لسوء المعاملة من قبل الإسلام والمسلمين على مدار التاريخ في إسبانيا وغيرها من الأماكن أيضا. في ظل الإسلام، كان غير المسلمين مواطنين من الدرجة الثانية معرضين لنزوات حكام متعصبين نشروا الإسلام بالسيف ونهبوا ممتلكات رعاياهم الكفار كيفما اتفق. تفتقر أسطورة العصر الذهبي الإسباني والأسطورة المضادة لها إلى أدنى درجات المنطقية من عدة نواح. من ناحية، من الصعب القول إنه كانت توجد بالفعل مدينة فاضلة تجمع بين الأديان المختلفة في الأندلس؛ فحتى موسى بن ميمون (1135-1204) - خير من يمثل الوحدة الإبراهيمية والالتقاء بين الأديان - أجبر على الفرار من موحدي إسبانيا مثلما التمس الكثيرون من اليهود ملجأ من عنف المرابطين في المدن التي أعاد المسيحيون فتحها في أواخر القرن الحادي عشر. وعلى الرغم من أن الثقافة التي أوجدها غير المسلمين في الأندلس مبهرة كما وكيفا، فإن الغرض الذي وضعت من أجله فكرة العصر الذهبي لإسبانيا يتعلق بتسامح سياسي مبالغ فيه، وقلما وجدت هذه الظروف في الأندلس (ربما باستثناء قرطبة في الفترة من منتصف وحتى أواخر القرن العاشر). ومن ناحية أخرى، من الخطأ أيضا الحديث عن غير المسلمين بوصفهم مواطنين من الدرجة الثانية. فحتى مع تجاهل المفارقة التاريخية، من الواضح أن بعض المسيحيين واليهود تمكنوا في معظم المجتمعات الإسلامية على مدار التاريخ من الوصول إلى مناصب إدارية عليا، بينما كان بعض جيرانهم المسلمين يكافحون من أجل امتلاك قوت يومهم.

صفحة غير معروفة